إن من يقرأ للسيد عدنان العوّامي بحثاً فإن من ضمن الأشياء التي تستحق المتابعة هي: «المنهجية»، فهو لا ينطلق من أحكام مسبقة، ولا تجتذبه الاستحسانات، ولا يستعجل فيما يودُّ قوله؛ بل يستفيضُ في بحث المسألة من جميع جوانبها ما أمكنه بكل أناةٍ وصبر، وهذا الأمر لاشك أنّه يرجع إلى حياة مليئة بالثقافة والاطّلاع الواسع في كثير من صنوف المعرفة، ولعل خير شاهدٍ في هذا - والشواهد كثيرةٌ - تحقيقه لديوان أبي البحر الخطّي، والذي مكث فيه سنواتٍ من العمل وإخراجه إلى النّور بحلّةٍ قشيبة، ففي مقدمة الديوان يذكر الجهود السابقة لمن أخرج ديوان الخطّي، مع التعريف بمحتويات ومواصفات النسخة المطبوعة، مع ذكر حسناتها وبعض الإخفاقات، دون التوسّع والتعريض بمن عمل في إخراجها؛ بل إنه يعدّ ذلك الإخراج بما فيه من هِناتٍ أن اجتهد وحفظ لنا وللأجيال شعر أبي البحر، ثم إنّه يذكر طريقته ومنهجيته في التحقيق كما هو معروفٌ في هذا العِلم، من جمع النُسخ الخطية وذكر مواصفاتها بما يخدم المطّلع والباحث؛ ليكون القارئ على علمٍ بالجهد المبذول والطريقة المتّبعة في إخراج الديوان، ناهيك أنّه اعتمد على أربعِ نسخٍ خطّية تقريباً والتي لها مساهمة في إبراز الديوان بشكل يتناسب وحجم الشاعر وموقعيّته في الأدب العربي.
إضافة إلى ما ذُكر فإن السيد العوّامي رجع إلى جملة من المصادر المهمّة في هذا التحقيق، كالمخطوطات، والمجلات، والمصادر التراثية والمتأخرة وغيرها ذات صلةٍ بشعر وأدبِ الشاعر الخطّي، حيث أبان الغامض، وترجم للأعلام، وحدد المواقع، وأحال المعلومات إلى مصادرها، كلُ ذلك جاء بما يستدعي المقام بين إسهاب وإيجاز، فالمنهجية إن ولَجت عملٍ ما زادته بهاءً، ومنحته إشراقاً، وخدمت الباحثين في بحوثهم، ففي الأثناء التي نرى بعض المحققين يسهبون ويملؤون هوامش الكتاب بالمطوّلات فإن السيد العوّامي ليس كذلك، وهو القائل: (وأمّا اللغة فاكتفيتُ بشرح القليل من مفرداتها، لما وجدته من سهولة لغة الشاعر، ونُدرة الغريب فيها، وما أوجب اللَّبسَ، وبدا عليه الغموض فأغلبه آتٍ من التصحيف، والأخطاء الإملائية) وهنا التفاتة مهمّة، تدلُّ على تتبع العوّامي فيما ورد في تلك النُسخ الخطية والمصادر المطبوعة، فهو هنا ينطلق محققاً وشاعراً، حيث كما هو معلوم أن العوامي يجيد قرض الشعر منذ أيام شبابه، وهذه الالتفاتة إلى التصحيف والأخطاء دلالة على ثقافة في منهجية تحقيق الشعر، ويكمل العوّامي قائلاً: (وأما ما يُلاحظ من الكلمات المشروحة فهو، في الغالب، لتلك التي كانت مصحّفة في الأصل، وغرضي من ذلك لفت النظر إلى أصل الصواب فيها).
لذا، من يقرأ الديوان يجد الهوامش بين توضيحات ذات صلة بالديوان، أو تبيانٍ لأمرٍ ما دون إسهاب، وما هذا إلا للحفاظ على المنهجية التي حريٌ بأن تكون واضحة المعالم عند الباحث أو المحقق.
** **
- أ. عبدالله رستم