كثر الحديث عن جهود ابن خالويه (ت 370هـ) في الناحية اللغوية والنحوية والصرفية والصوتية، خاصة من خلال كتابيه: «إعراب ثلاثين سورة أو الطارقية»، وكتاب «إعراب القراءات السبع وعللها».
ولم يترك لنا مؤلفًا مستقلاً في علم البلاغة، وهذا أمر طبيعي في هذه الفترة المبكرة جدًّا في أطوار نشأة علم البلاغة واكتماله، ولكنه ترك لنا تحليلات بلاغية أثناء توجيهه للآيات القرآنية وإعرابها.
والذين التفتوا إلى جهوده البلاغية هذه قليلون جدًّا لا يتجاوزون بحثين - حسب علمي - وكلاهما قام على كتاب واحد فقط لابن خالويه وهو «الطارقية» أو «إعراب ثلاثين سورة»، وهما:
- «جهود ابن خالويه البلاغية بين التنظير والتطبيق من خلال كتابه إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم، دراسة أبستيمولوجية»، محمد سعيد محفوظ عبد الله، مجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة، جامعة الأزهر، مصر، العدد 32، الجزء 1، 2012م، (ص 726 - 617).
- «علاقات المجاز المرسل عند ابن خالويه في كتابه ثلاثين سورة من القرآن الكريم»، محمد طه فياض إعراب، مجلة آداب الفراهيدي، العدد (33)، آذار 2018م، (ص 60 - 76).
وقد لخَّصت موضوعهما ونتائجهما وجمعت بينهما في سياق واحدٍ في هذا المقال؛ لنكوِّن صورة متكاملة عن ابن خالويه البلاغي، توضِّح باختصار جهوده في علوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، وما تميز به وما أُخذ عليه من مآخذ، وتأثيره فيمن بعده في المضمار البلاغي.
أولا: جهوده في علم المعاني:
- عالج الأساليب الإنشائية والخبرية بإسهاب، وأوضح أن الأسلوب الإنشائي أكثر بلاغة من الخبري، وتناول الأسلوب الإنشائي بقسميه الطلبي وغير الطلبي وبيَّن سر كليهما.
- ربط بين البلاغة الصوتية والأساليب الإنشائية.
- تكلم في مبحث التقديم والتأخير عن بلاغة كليهما وتناول صور التقديم والتأخير من خلال تقديم المفعول والمبتدأ والفاعل والفعل، وتكلم عن جواز التقديم والتأخير، والتقديم الوجوبي، وجاءت دوافع التقديم والتأخير عنده متفقة مع ما أقره البلاغيون، وأضاف إليها مراعاة الفواصل ورؤوس الآي.
- تكلم في بلاغة الذكر والحذف وأتى واستحدث عوامل جديدة لم تكن موجودة من قبل.
- تكلم في التعريف والتنكير وإن كان ناقصًا بعض الشيء.
- تكلم في الفصل والوصل وأتى تقريبًا على ضروب هذا وذاك.
- تكلم عن الإيجاز والإطناب ولم يتحدث عن المساواة.
- تكلم عن متعلقات علم المعاني مثل: القلب، والاشتقاق، وحروف المعاني، ومعاني الحروف، وبلاغة التذكير والتأنيث، وخروج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر.
- تكلم عن فنيات نظرية النظم كعلاقة الإعراب بالمعنى، واهتمَّ بالمعنى ومعرفة موضع كل حرف من حروف المعاني والفرق بينها.
- أطنب في علم المعاني أكثر من سواه؛ لأن علم المعاني فرع من النحو وقد ألَّف كتابه « إعراب ثلاثين سورة» بغرض النحو.
ثانيًا: جهوده في علم البيان:
- تكلم عن التشبيه والاستعارة بصورة سريعة، ولم يعرِّفهما، ولم يستطرد في سرد الأمثلة عليهما، ربما بسبب أن السور التي تناولها حافلة بالكثير من الصور البيانية التي تصور مشاهد يوم القيامة.
- تكلم في الكناية وجاء حديثه مسهبًا مقارنة بحديثه عن التشبيه والاستعارة.
- تكلم في المجاز بنوعيه المرسل والعقلي والعلاقة فيهما، وذكر أربع علاقات من العلاقات التي ذكرها البلاغيون للمجاز المرسل في القرآن، وهي: إقامة صيغة فعيل بمعنى مفعول، والتعبير بالواحد عن الجمع، والتعبير بالماضي عن المستقبل، وإطلاق العام وإرادة الخاص، وقد صرح بها واضحة في أحد عشر شاهدًا.
ثالثًا: جهوده في علم البديع:
تكلم في مباحث علم البديع، مثل: الجناس، والفواصل، والمزاوجة، والتوجيه، والتضاد، والتجريد، والمثل، والاستخدام.
جديد جهوده أيضاً أنه تكلم في المشاكلة الصوتية وكيف أن الجوار الصوتي سواء في المخرج أو الظاهرة الصوتية كان سببًا أصيلا في توحُّد المعنى.
وتكلم عن خصوصية القرآن في عدم وضع الفاء وثم موضع الواو في قوله تعالى: (والضحى والليل)، فلم نقُل: (والضحى ثم الليل).
رابعًا: مميزاته:
- كان بحثه البلاغي شديد الصلة بعلماء عصره، وأتى بما يبذهم بلاغيًّا ولا سيما في معاني الحروف، وفي حديثه عن الإنشائي غير الطلبي، فهو بحق إمام اللغة والأدب.
- سبق العلماء في الوقوف على علاقات المجاز حيث لم يقف العلماء على ما وقف عليه في بعض شواهده وخاصة في علاقة التعبير بالماضي عن المستقبل.
- كان أسلوبه واضحًا ودقيقًا في تناول العلاقة في المجاز وشرحها، إذ صرح بجميع علاقات المجاز المرسل الخمسة وبين مواضعهن، مما يدل على فهمه الواضح والدقيق لهذه العلاقات.
خامسًا: المآخذ عليه:
- المصطلحات البلاغية في عصره كانت مشاعًا بحيث يمكن وضع مضمون ما يقال تحت أي منها.
- كثيرًا ما تختلط آراؤه بآراء المفسرين للقرآن الكريم، وبمن تحدثوا عن بيان القرآن الكريم ووجوه إعجازه، مما يجعل هناك صعوبة في استخلاص آرائه.
- اختلط عليه الأمر بين الكناية وتقديم الضمير على ما يفسره.
- افتقد المنهج في التأليف فكان يكرر كثيرًا ويجتزئ الفكرة في أكثر من موضع.
- هناك اضطراب في آرائه البلاغية ظهر جليًّا في حديثه عن الاستفهام وأغراضه البلاغية.
- خُطِّئ في تقديره للمحذوف في بعض المواضع، وفي عدم تمييزه بين التضاد والمقابلة، وفي بعض المعاني التي يخرج إليها الأسلوب الإنشائي.
سادسًا: تأثيره البلاغي: نقل عنه عدد من العلماء ما ذكره من العلاقات الأربع للمجاز المرسل؛ لأن ذكره لها نوع من الابتكار والنظر الفاحص والدقيق.
وختامًا فهذا جانب عند ابن خالويه يحتاج إلى استقصاء في بقية كتبه مثل شرح مقصورة ابن دريد، وشرح فصيح ثعلب.
** **
د. محمد علي عطا - رئيس قسم اللغة العربية وعلومها - جامعة باشن العالمية المفتوحة بأمريكا
Ma.ata.2020@gmail.com