يبدو لي أن ضمن مفهوم «مقومات الفن» تدخل جميع العوامل التي تكون محصلتها الإنتاج الفني الإيجابي أو السلبي. وأول هذه المقومات هو مفهوم الفن ذاته، الذي يختزن بداخله عنصرين متفاعلين ومتكاملين هما: «ذاتية» الفنان «وموضوعية» الظرف المكاني والزماني والتطوري للمجتمع.
الذاتية والموضوعية هما عنصران متلازمان لجميع «المفاهيم»، ومرتبطان بالإنسان والواقع الموضوعي. فلا توجد مفاهيم لدى الحيوان مثلا؛ ولكن توجد «معرفة» بما يؤكل وما لا يؤكل؛ وهذه المعرفة لا تشكل «وعيا»؛ إنما المفاهيم تشكل وعياً؛ وهي ميزة للإنسان وحده منذ بداية الخليقة!
قال الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} (31) سورة البقرة، بعد أن قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (30) سورة البقرة. إذن هدف خروج آدم عليه السلام من الجنة؛ هو أن يكون خليفة الله سبحانه على الأرض؛ ولكي يقوم بهذه المهمة العظيمة؛ لا بد له من «الوعي»؛ الذي يتطلب «معرفة» الأسماء كلها؛ و»استخدام» تلك المعرفة في التعامل مع «واقع موضوعي جديد»؛ يختلف عن الواقع الموضوعي في الجنة؛ وبهدف سامي هو: توريث واستمرارية وتطوير هذا «الوعي» الممنوح من الله سبحانه؛ للذرية التي ستجعل من الأرض مستقراً ومتاع!... وحسب معنى الأيات الكريمة لا ينفصل الذاتي عن الموضوعي أو العكس.
إذن «توظيف» المعرفة الساكنة أو الخاملة وتحويلها إلى «ممارسة» فاعلة اجتماعياً هو ما نسميه فناً. أي أن الفن هو ليس جزءاً من الوعي وحسب؛ إنما لا يوجد أحدهما دون وجود الآخر؛ وإرتقاء الوعي يؤدي إلى سمو الفن؛ والعكس صحيح؛ أي أنهما في تفاعل مستمر وضروري لتطور وإزدهار المجتمع؛ بل البشرية كلها! وانطلاقاً من هذا المعنى الأساسي للفن والوعي؛ نستنتج أن الإنسان العاقل الفاعل اجتماعيا هو فنان بالضرورة؛ ولكن المقدرة الفنية هذه يختلف مقدارها وفاعليتها الموضوعية من شخص لآخر! ومن أجل فهم عوامل الإختلاف لابد من تناول «مقومات الفن» وتفنيدها وهي كالتالي:
أولاً: - الموهبة الفنية: إذا كان هناك اختلاف في المقدرة الفنية من شخص لآخر، فـ «الموهوب» كلمة تطلق على المتميز فنياً عن المستوى العام للمجتمع. ولكن دلالة كلمة «موهبة» في الذهن؛ تعني أن هناك من «وهب»؛ وهناك من تلقى تلك «الهبة». وإذا كان الواهب هو الله سبحانه فهي غريزة إذن؛ وتخص البشر جميعاً؛ وفي هذه الحالة لا يجوز أن تطلق على المتميزين فقط؛ ويكون كل فرد في المجتمع «موهوب»؛ وهذا غير منطقي! إذن كلمة «موهبة» من الأساس خاطئة، والأجدر أن يطلق عليها كلمة «مقدرة فنية»! فنكون بهذه الطريقة قد أخضعنا هذا المفهوم للظروف «الموضوعية» التي تجعل هذا الشخص أو ذاك، متميزا عن الآخرين!
البقية ستأتي لاحقاً؛ وليعذرني القاريء لأنني ملتزم بمساحة معينة؛ ولا أحب مزاحمة الآخرين!
** **
- د. عادل العلي