د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
وأما المسوغ الرابع عنده فهو (فَعْلاء في الميزان الدّلاليّ)، وفيه مقدمة عن تاريخ استعمال (أفعل فعلاء) واختصاصها بالدلالة على اللون أو العيب أو الحِلْية، ورأى أن ذلك ما أخرج التعجب من هذه الدلالات، وهو قول متوقف فيه؛ إذ هذه الدلالات (اللون والعيب والحِلية) تكون في صفات أخرى ليست على (أفعل فعلاء)(1)، وإنما لم يتعجب منها، ولم تستعمل في التفضيل أيضًا، لتطابق الشكل الظاهر بين الصفة (أفعل) وفعل التعجب (أفعلَ)، ومهما يكن من أمر فهذا لا علاقة ظاهرة له بالاستغناء بفعلاء عن أفعل.
ويمضي بعد ذلك إلى ذكر صفات جاءت على (فعلاء) وليس لها (أفعل)، فعدد صفات أطلقت على النساء (أوصاف المرأة)، وأخرى (أوصاف الناقة) و(أوصاف النخلة) و(أوصاف الأرض) و(أوصاف الحرب ومتعلقاتها). وبعض ما ورد من هذه الصفات قد يحتاج إلى فضل مراجعة، إذ جعل من صفات المرأة خاصة (مدشاء)، ولكن قال الجوهري «الْمَدَشُ: رَخاوةُ عصَب اليد وقلَّة لحمها. ورجلٌ أمْدَشُ اليد. وقد مَدِشَ مَدَشًا. وامرأةٌ مَدْشاءُ اليد»(2). ومثلها (زلّاء) قال الخليل «والأزل: الأرسح، وقد زلّ زَلَلًا، فهو أَزَلُّ، وهي زلّاء»(3)، ومثلها امرأة خنّاء [والصواب: لَخْناء] إذا كانت منتنة الرائحة، ولكن قال ابن دريد «اللخن: نَتن يكون فِي أرفاغ الْإِنْسَان وَأكْثر مَا يكون ذَلِك فِي السودَان. يُقَال: لخن يلخن لخنًا وَالرجل أَلْخَن وَالْمَرْأَة لخناء»(4)، قال «والمرهاء التي لا تكتحل»، ولكن قال الجوهري «مَرِهَتِ العينُ مَرَهًا، إذا فَسَدَتْ لتركِ الكُحْلِ. وهي عينٌ مَرْهاءُ، وامرأةٌ مَرْهاءُ، والرجل أمْرَهُ»(5). وعدّ من صفاتها (ظمياء)، ولكن قال الخليل «الظَّمَى، بلا هَمزِ، قِلَّةُ دَم اللثة، ويعتريه الحُسنُ والمَلاحةُ، ورجلٌ أَظمَى وامرأة ظَمْياءُ»(6)، أما الناقة فذكر أنهم قالوا (روعاء) ولم يقولوا للذكر (أروع)، ولكن ابن سيده قال «وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فرس رَوْعاءُ: لَيست من الرائعة وَلكنهَا الَّتِي كَأَن بهَا فَزعًا من ذكائها وخفة روحها. وَقَالَ: فرس أرْوَعُ كَرجل أرْوَع»(7). نقل أنّ (قرواء) للناقة خاصة دون الجمل وليس هذا بمتفق عليه، جاء في (المحيط في اللغة) «والقَرى: الظَّهْرُ، جَمَلٌ أقْرى، وناقَةٌ قَرْوَاءُ: طَوِيلةُ السَّنَام ووَسَطِ الظَّهْرِ، والجميع الأقْرَاءُ، ونُوْقٌ قُرْوٌ»(8). ومن عيوب الناقة (حنواء)، ولكن هذه الصفة قد تكون في الإنسان وهو عيب قد يعرض للحيوان، قال الرازي «وَرَجُلٌ (أَحْنَى) الظَّهْرِ وَامْرَأَةٌ (حَنْيَاءُ) وَ(حَنْوَاءُ) أَيْ فِي ظَهْرِهَا احْدِيدَابٌ»(9).
وهذا الركام من المثل إن دلّ على كثرة استعمال (فعلاء) فليس بدال على الاستغناء به عن (أفعل)؛ لأن (فعلاء) استعملت وصفًا للمؤنث بأوصاف ليست للمذكر. وأحسب أنا لو جمعنا من الصفات ما هو على (أفعل) لكان شيئًا مذكورًا.
المبحث الثالث نتائج الدراسة(10)
وذكر في اثني عشر سطرًا ستة بنود عدها نتائج لدراسته، وبالتأمل لا نجد شيئًا منها يدل على الاستغناء بـ(فعلاء) عن (أفعل)، ففي المدخل الأول يذكر «أن صيغة (فعلاء) قد استأثرت بالعيوب الظاهريّة التي لا حظّ فيها للمذكّر»، وهذا لا يعد استغناءًا بها عن (أفعل). وفي المدخل الثاني إعادة للفكرة الأولى، وإن من زاوية أخرى، إذ يرى (المرأة والناقة والطبيعة) هاجس شغل ذاكرة العربي لدلالتها على الخصب والنماء فاستأثرت نعوتها بصيغة (فعلاء)، وأحسب أنها استأثرت بالصيغة لأن المنعوت مؤنث يقتضي صيغة مؤنثة، ومع ذلك فالاستئثار غير الإغناء. وفي المدخل الثالث يذكر أن الصفات على (فعلاء) ولا (أفعل) لها نادرة في الشعر ولم ترد في القرآن فلم يتصل استعمالها في اللهجات وحبست في المعجمات، وهذا ينطبق على كلمات كثيرة ترك استعمالها لتغير نمط الحياة. ومع ذلك فليس لهذا علاقة بالاستغناء المزعوم بفعلاء عن أفعل. ويذكر في المدخل الرابع «أن أثر اللهجات والتطور اللغوي وضعف استعمال أفعل لم يكن لها أثر بيّن في شواهد صيغة فَعْلاء»، وهذا كلام مبهم ولا دلالة فيه على الاستغناء بفعلاء عن أفعل، وفي المدخل الخامس ذكر «أنّ صيغة فَعْلاء دون أَفْعل يمكن أنْ تُفْرد لها دراسة استقصائية في مدار المعجم العربيّ»، وأحسب هذه توصية لا نتيجة، وفي المدخل السادس بين أن الصرفيين اهتموا بالنمط (أفعل فعلاء) «دون اهتمام كبير باختلاف أوصاف ذلك الاختراق»، وأن اللغويين، وأن اللغويين اهتموا بجمع الأوصاف من دون تحليل. وليس قوله بدقيق؛ فالصرفيون بعد أن يبينوا البناء (أفعل فعلاء) يشيرون إلى ورود صفات على (فعلاء) وليس لها (أفعل)، وكذلك ورود صفات على (أفعل) ليس لها (فعلاء)، وأن القياس لا يمنع ذلك ولكن الاستعمال يمنعه، لأن الموصوف غير موجود ولا صفة بلا موصوف، ومع ذلك كله فليس في هذا ما يدل على الاستغناء.
والذي ننتهي إليه أن أ.د. حسين الرفايعة قد يكون له مفهوم لا أعرفه عن الاستغناء، وأما ما أراه حسب فهمي أنه لا يستغنى بصيغة (فَعْلاء) عن (أفعل) البتة.
- - - - - - - - - - - - - -
(1) انظر أمثلة للون: أحمد مختار عمر، اللغة واللون، ص60.
(2) الجوهري، الصحاح، 3: 1019.
(3) الخليل، العين، 7: 349 .
(4) ابن دريد، جمهرة اللغة، 1: 621 .
(5) الجوهري، الصحاح، 6: 2249 .
(6) الخليل، العين (8/ 173)
(7) ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم (2/ 348)
(8) إسماعيل بن عباد، المحيط في اللغة، 6: 6 .
(9) الرازي، مختار الصحاح، ص: 83 .
(10) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص159 .