حمّاد بن حامد السالمي
سعدت كثيرًا بما قوبل به مقالي: (عروبة العلماء) المنشور بالجزيرة الأحد 27 ديسمبر 2020م، (https://www.al-jazirah.com/2020/20201227/ar2.htm)، وكذلك مقالي: (عروبة العلماء.. عود على بدء)؛ (https://www.al-jazirah.com/2021/20211226/ar2.htm)
المنشور هنا يوم الأحد 26 ديسمبر الفارط. قوبل المقالان باستحسان من المتابعين الأفاضل، فشهدا تعليقات كثيرة، وتم تناقله عبر صحف إلكترونية وحسابات مدونين مهتمين بمثل هذا الطرح. شكرًا لكل من أحسن الظن.
من بين التعليقات على مقال: (عروبة العلماء.. عود على بدء)؛ ما تفضل به الزميل والصديق الدكتور عدنان المهنا- أخصائي الصحة النفسية والإعلام النفسي بجامعة الملك عبدالعزيز- ليس تعليقًا فحسب؛ ولكنه في رأيي (مقال على أكثر من مقال)، يحلل أكثر، ويضيف ما يفيد في هذا الطرح. قال الأخ الكريم ما نصه: (هي أخي الكريم؛ بعضٌ من عداوةِ العرب في أحشاءِ العجم، يعتبر الإنسان الصيغة السلوكية الصادقة لأي نتاج حضاري، وكلما كانت حركة الإنسان في المشوار السلوكي نشطة ومستكملة لشروط الانطلاق؛ كلما جاءت بقية عناصر فعالياته في المنظومة الفكرية نشطة).
ثم يقول: (دعونا ندرس الجوانب العملية المؤدية الى استثمار طاقات الإنسان المختلفة. يقول أحد المفكرين في هذا الصدد: ولعلّ توجيه الإنسان؛ وتنشيط فاعليته التوعوية؛ يعتبر ضروريًا لأي سلوك ينشد تحقيق تكامل حضاري شامل في التعامل والمعاملة والعطاء. وبطبيعة الحال؛ نحن لن نغفل الجانب النفسي والإنساني للصيغة الأدائية للمرء، كونها بالفعل تتعلق بالجانب المادي والاقتصادي المحسوس، من تنميته وتوعيته، وإلاّ نشدنا المستحيل، لأن تشييد الإنسان، وإنشاء سلوكه، وبث الفعالية الحضارية في كيانه؛ يمثل طاقاته الفاعلة والمنتجة).
ويضيف: (إن مقال الأستاذ الباحث الموسوعي حمّاد السالمي -حول الذي تتبع باحثًا متقصيًا- كما العادة ضمن منهجه العلمي لمشاهير العلماء العرب المنسوبين إلى البلدان الأعجمية؛ وتصديه لمن ذبَّ عن مقولة ابن خلدون الذي قال: بأن جُلّ علماء المسلمين من العجم؛ ومن ضمنهم الباحث العراقي ناجي معروف؛ الذي تقصى كما يقول حمّاد السالمي ما أمكنه ذلك في بلدان أعجمية كثيرة، ليبرهن عروبة مشاهير العلماء العرب المنسوبين إلى البلدان الأعجمية، ثم ما قدمه باحث عراقي آخر هو: يونس الشيخ إبراهيم السامرائي في هذا الصدد. وهذا ما ينادي به بعض المفكرين والمثقفين حين ينادون إلى الاعتناء بالمدرسة الفكرية الثقافية الأخلاقية للإنسان، ذلك أن الاعتناء أكثر بالجانب السلوكي الفكري المرتبط بإرادة الإنسان في صدقه ومروءته ونبله ووفائه لأخلاقه؛ هو الاستلهام الصادق للفكر السلوكي، وما ينبثق عنه من رؤى في كينونة صيغته الثقافية الحضارية، حتى يتحول الى واع يدرك تغيير نفسه سلوكيًا حسب الهدف الذي يرمي إليه الدين، ثم بالصفة التي تمكنه من أداء واجباته العقدية الخلقية، ليصل الى الهدف الذي يرمي إليه، فالصدق أطلق عليه بعض النقاد الاجتماعيين مصطلحًا يزخر بتناول السلوك مع الفكر بـ: الفعالية، والنمو، والمقدرة، ثم التأثيرية.. بالحكمة والفطنة والجدل الموضوعي. وبصرف النظر عما تناوله بعض المدارس الفكرية؛ التي بحثت للأخلاق في مستوى وعي الانسان؛ عن طريق السمو به الى مستوى التحضر من خلال: تحريك ثقافته وتوجيهها، حتى يكون خلقه في مستوى ما يفترض منه، من الفاعلية والعطاء الحضاريين المنتظرين منه. أما الشعوبي المتطرف؛ فليتق الله حيث ما كان، ويخالق الناس بخلق حسن، لأن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة. وبالعلم والأخلاق ترتقي الأمم.
قال صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم أخلاقًا»، والأخلاق كما قيل؛ هي عنوان الشعوب، قد حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة. يقول الشاعر:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلاً
ويقول شاعر آخر:
ولو أنني خُيّرت كل فضيلة
ما اخترت غير مكارم الأخلاق
يضيف الكاتب: (وإن قيمة هذا الإنسان التوعوية؛ تكمن أيضًا في النظر إلى مختلف النواحي التي يؤثر من خلالها على المحيط الحضاري من حوله.. توجيهًا تربويًا وثقافيًا، وفق قصد إدراك الهدف الحضاري المنشود. نعم.. ذاك ما ينبغي؛ كونه يؤدي إلى تعزيز عام يمس جوهر التركيب الحضاري للذات النفسية البشرية والمسلمة على وجه الخصوص، وجملة الذوات الأخرى، في الاستقراء الذي يثبت أن النواحي التي يمارس الإنسان من خلالها تأثيره على بيئته؛ لا تعدو أن تخرج على: الناحية الفكرية الأخلاقية، ثم الناحية الثقافية العملية. إن التوجيه ينبغي أن يستهدف هاتين الناحيتين الأوليين، أملاً في مستوى وعي يخرج إرادة الإنسان المبدعة من بنائها الحضاري، ويجعل أفكاره وتصرفاته مثلًا عليا، كاستجابة طبيعية لواقعه الأخلاقي، ولفظ البناء الفوقي الذي يتأسس عشوائيًا، وفقاً لما يفرضه بعض النظريات التي تبقى الإرادة الإنسانية حبيسة ما تمليها عليها وسائل الإنتاج من تحولات نفسية وتطورات).
ثم يختم فيقول: (وإذا كانت إرادة الإنسان تتميز بالفاعلية والايجابية؛ فإنها تأتي كنتاج لواقعه الديني الإسلامي الذي يعكس منظومته السلوكية، توجيهًا على مختلف نواحي الحضارة المرتبط بها. أما تكريس تبعية السلوك السلبي لبعض الشعوبيين- أو من يدور في فلكهم- للمزيد من الابتعاد عن النهج الحضاري الملائم؛ بغية الانتقاص من العرب، والتقليل من شأنهم، ومواصلة الحرب ضد العنصر العربي متى كان وأين ما كان- كما يقول حمّاد السالمي- فقد وجدته مشروعًا غير حضاري، يفعّل سلوك الإنسان الحاقد الحانق، ليشغل الحقيقة بالنقيض من الكذب والافتراء، وبإدهاش موقعه، وإعلاء شأن بهائه الأيدولوجي غير الحضاري، وغير الناجع، والذي ينأى به عن انتمائه إلى دينه، ويبعده عن قُوَّتِه القِيَمية، ويساهم في عدم حفظ ماء سلوكه وهُويته الأخلاقية. سمعت أحدهم يقول: عداوة العرب في أحشاء العجم. وأقول: ربما بعضٌ من ذلك. والله أعلم).