من حق الجيل الذي سبقنا وشارك في صناعة البدايات أن يحظى بنصيبه من التقدير والوفاء.
هنا قصة حياة رجل معطاء وسيرة إخلاص تستحق أن تروى للأجيال ومسيرة حافلة بالمعاني السامية والسجايا الكريمة..
الشيخ مقبل الصالح الملحم (أبوصالح) عرفته منذ سن مبكرة تمتّد إلى نحو نصف قرن وكان أول لقاء جمعني به في قريتنا الحالمة (العقلة) وهي أحد العُقل المتناثرة جنوب محافظة الزلفي.
واستمر تواصلي به طيلة هذه السنوات والفيت اتعلم من مجالسه وأحاديثه الكثير من جميل العبارات وحسن المنطق وسبك الجُمل الأنيقة التي أجزم بأنه تميز بها دون أبناء جيله عطفاً على ماخاضه من تجارب الحياة ومعاصرة مختلف الطبقات ولعلي لا أخفي سراً انه كان ملهميا في هذه الخاصيّة.
ولإلقاء لمحة سريعة على سيرة حياته نجده بداها عام 1369هـ إبان عهد الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه حيث رحل من الزلفي إلى الرياض للعمل لدى ابن عقيل والدبيخي في تجارة الأواني المنزلية لينتقل بعد ذلك إلى بقيق لتلقي العلم على يد الشيخ الذييب حيث اتقن بعض الأحاديث واللغة العربية ثم سنحت له الفرصة للعمل في الميدان الخيري في مدن الدمام والأحساء والجبيل كمسؤول عن تموين دور الأيتام في تلك المدن بالمواد الغذائية.
انتقل أبوصالح بعد ذلك للعمل الحكومي وكانت أول وظيفة يباشرها بأمانة جمارك المنطقة الشرقية ثم جمرك ميناء الدمام وبعده جمرك ميناء الخبر.
وهنا توطدت علاقته بالشاعر الكبير عبدالرحمن المنصور وكان حينها مديراً لمكتب العمل بالدمام فنصحه بالتسجيل بالمعهد العربي لتعلم فنون الكتابة على الألة الكاتبة والإلمام ببعض المهارات المكتبية وهو ما حدث وفي هذه الأثناء استغّل وقت فراغه المسائي بافتتاح مكتبة يبيع فيها المستلزمات المدرسية وبعض الصحف والكتب الثقافية كما تفرغ بعد اتقان فن الطباعة للاشتراك مع الأستاذ المنصور بإعداد وطباعة اول نظام للعمل والعمال والذي لايزال العمل به قائماً حتى هذا اليوم.
عاد الأستاذ مقبل إلى الرياض للعمل أميناً للصندوق في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبعدها تم إعارته إلى شركة ابراهيم الجفالي واخوانه. ثم عاد إلى العمل الحكومي ليشغل مدير الشؤون المالية في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود.
وأثناء تواجده بالرياض كان لا يمل ولا يكل عن متابعة مطالب اهل مدينته (الزلفي) حيث شكّل مع عدد من الوجهاء الأفاضل أمثال محمد العلي العبداللطيف (الغزالي) ومحمد وعبدالله الناصر الفالح خليّة نحل لا تهدأ إلى أن تحققت بفضل الله ثم بدعم الحكومة الرشيدة كافة مطالبهم التي تحولت معها الزلفي إلى مدينة عصرية تنافس اخواتها في التطور في تلك الفترة المبكرّة.
ولعل من أبرز تلك المطالب التي تخص شخصيتنا محور الحديث افتتاح فرع لجمعية الهلال الأحمر وتعيين الأستاذ مقبل مديراً لها كما عُهد اليه بتولي إدارة الهلال الأحمر في مشعر منى أثناء مواسم الحج لعدة أعوام.
وللشيخ مقبل مآثر كثيرة وأعمال إنسانية جليلة حيث شارك في العديد من حملات العون والإغاثة التي تتبناها حكومة بلادنا المباركة في عدد من الدول التي عانت من الفقر والجوع كما كانت له بصمات خالدة في دعم وتمويل الكثير من المبادرات التطوعية في الداخل مثل مشاريع الحفاظ على البيئة ومجالات التنمية الاجتماعية.
وفي ختام هذه الإشارات العابرة من حياة هذا النموذج المشرّف لا يسعني إلا الدعاء له بالتوفيق الدائم والحياة السعيدة الهانئة..