عبدالوهاب الفايز
تطرقنا الأسبوع الماضي إلى الأمر الساخن المقلق وهو تبني الأمم المتحدة لتوسيع تعريف موضوع (الشذوذ الجنسي) وليس المثلية الجنسية، كما يحب أصحابها تعريفها للالتفاف على المفاهيم الأساسية للظاهرة. هذا الموضوع يستقطب القلق العالمي، سواء من الدول الكبرى (روسيا والصين)، أو من بقية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. هذا القلق يهيئ الفرصة لإنشاء تجمع جديد في النظام الدولي لحماية الأسرة والطفولة والأخلاق.
هذا القلق له المبررات الموضوعية، فالأفكار الظلامية الجديدة في المجتمعات الغربية التي يتم دسها في قرارات وتشريعات الأمم المتحدة على طريقة (دس السم في الدسم)، بالذات القرارات والمشاريع القادمة التي تستهدف الأسرة والطفولة، كما هو موجو في (أجندة أهداف التنمية المستدامة المتضمنة في خطة عام 2030)، فالمتوقع أن تدفع هذه الخطة بالإصلاحات القانونية في مجالات عديدة، والقريبون من الأمم المتحدة يرون ضرورة اطلاع صانعي السياسات في الحكومات، والآباء وقادة المجتمع الأهلي والمدني في العالم لإدراك ومعرفة التهديدات الخفية للحياة والأسرة والأطفال في أهداف التنمية المستدامة.
الخطة هدفها إحداث تأثير كبير وطويل الأمد على التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وهناك جهود حثيثة الآن للناشطين المتعاونين مع وكالات الأمم المتحدة المتخصصة لإنفاذ أهداف التنمية المستدامة، ويقاتلون لأجل صياغة مؤشرات قياس أهدافها، وهذا هو الأخطر: لأن الدول سوف تحاسب على مدى تحقيقها لهذه المؤشرات! وهؤلاء يسعون إلى ذلك، بدعم من وكالات الأمم المتحدة، رغم أنهم ينتهكون بشكل متزايد ميثاق المنظمة الذي ينص بوضوح على أنه لا يؤذن (للأمم المتحدة بالتدخل في المسائل التي تقع أساساً ضمن الولاية القضائية المحلية لأي دولة ...)، (ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2-7).
من الاتفاقيات التي تحفظت عليها المملكة وعدد من الدول الإسلامية والعربية هي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي بدأ نفاذها عام 1981. تم التحفظ على البنود التي تنص على أمور مرفوضة بنصوص الشريعة مثل عدم السماح للرجل بتعدد الزوجات، ونسبة الأولاد لأمهاتهم في التسمية، والمادة التي تنص على أن لا عدة للمرأة، والتي تقول إن الذكر والأنثى في الميراث سواء، والمادة التي تعطي المرأة حق الإجهاض، وتبيح العلاقات الجنسية خارج إطار الزوجية لكلا الزوجين.
هذه التوجهات بدأ تنفيذها والدفع بها منذ سنوات، ومنظمة مثل UN Women الأمم المتحدة للمرأة، في إحدى وثائقها المعنونة (دور الأمم المتحدة في مكافحة التمييز والعنف ضد الأفراد على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسانية - نظرة عامة برنامجية) ذكرت أن عددًا من مكاتبها الإقليمية عملت منذ عام 2013 على حقوق الشاذين جنسيًا ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، حيث عملت على بناء مجموعات مناصرة للمساواة بين الجنسين بما في ذلك جمعيات الشاذين والشاذات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، للمشاركة في حوار ونقاشات صنع السياسات مع الحكومات!
هذه الاتفاقيات وما تتضمنه من أهداف خبيثة سوف يكون لها الآثار السلبية المتوقعة على الأسرة، وستكون عوامل تسرع تفكك المجتمعات إذا استمرت سياسات قوى التحرر والانحدار الأخلاقي تفرض أجندتها على العالم. الأمر المهم الإيجابي أن هذه التوجهات تجد الآن المعارضة المتنامية حول العالم، خصوصًا من الدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولكن لا يجمعها تكتل وتنظيم فاعل مما يجعل تأثيرها محدودًا ويتيح للمجموعات الليبرالية العالمية المتطرفة التأثير وتسيير توجهات قرارات الأمم المتحدة.
لتصحيح هذا الخلل.. نأمل أن نرى قريبًا ظهور حركة عالمية قوية لـ (عدم الانحطاط) على غرار حركة دول عدم الانحياز التي تأسست في باندونج عام 1955 بعضوية 29 دولة، والتي توسعت خلال الخمسين عامًا من نشاطها ليصل أعضاؤها إلى 116 دولة، وكان لها صوت قوي ومؤثر على الساحة الدولية. الحركة الجديدة الساعية إلى التضامن (ضد تفكيك الأسرة والأخلاق) ضرورية لبقاء الدول والمجتمعات ولبقاء الفطرة الإنسانية السوية. الآن نحن إزاء مواجهة حقيقية يجب التصدي لها وعدم الخوف من دعاتها.
الحركة التي نتطلع إليها ستكون قوة مضادة داخل منظومة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة لضمان عدم اختطاف قراراتها وبرامجها من قبل الدول والمجموعات الساعية لفرض مبادئها وأفكارها وتصوراتها عن الإنسان ونمط الحياة والكون، وهي أيديولوجيا سوف تأخذنا إلى الانحطاط الأخلاقي وتفكيك المجتمعات والأسرة.
الذي نأمله جميعًا لمواجهة هذه الظلامية الاجتماعية هو مبادرة الدول والمنظمات لرفع اللواء والمسارعة بالدعوة إلى مؤتمر عالمي مفتوح للقيادات والمفكرين ورجال الدين والمنظمات المختصة لبحث أسس وأطر وأهداف هذه الحركة والإعلان عن تأسيسها. وبحكم الثقل الكبير لبلادنا في العالم.. نتمنى أن نساهم بالدفع بهذا المشروع وحث الدول الصديقة على دعمه، ونتمنى أيضًا أن تستضيف المملكة هذه الحركة، بعد قيامها، وتكون أمانتها العامة في الرياض.