مجيد منيمنة
لقد مرّ عامان كاملان منذ اجتاح كوفيد-19 العالم بأسره وفرض تحدياته على مختلف الأصعدة والقطاعات، لا سيما قطاع التعليم. عامان اضطر خلالهما ملايين الطلاب إلى التأقلم والتكيّف مع أكبر تغييرات وتعديلات شهدها تاريخ التعليم على الإطلاق، وذلك على صورة الانتقال من الفصول الدراسية الفعلية إلى الفصول الدراسية الافتراضية في فترة قصيرة جداً.
بينما تركز مجالس التعليم وأصحاب القرار على عودة الطلاب إلى التعلّم بنفس الطريقة التي كانت سائدة قبل انتشار الوباء، من المهم بمكانة أن ترى الجامعات وأعضاء هيئة التدريس أن تحوّلاً جذريّاً قد طرأ على التعليم العالي، فقد أحدثت التكنولوجيا تأثيرات كبيرة وأثبتت أهميتها ودورها في تغيير طرق التعليم.
من المرجح أن التعليم العالي لن يعود بشكل كامل إلى نفس ما كان عليه قبل كوفيد-19 بعد أن جرب ملايين الطلاب التقنيات المتطورة، مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزّز والذكاء الاصطناعي، في دوراتهم التعليمية وتمتعوا بميزاتها، ومن المحتمل أن ذلك سيحدد معالم توقعاتهم للمستقبل. لقد زاد اعتماد التكنولوجيا بشكل كبير عبر مختلف المراحل التعليمية من الروضة إلى الثانوية العامة ومستويات التعليم العالي المختلفة، مما ساعد على تسهيل الوصول إلى التعلّم، توسيع نطاق التعلّم التفاعلي، وجعل التعليم أكثر قابلية للتكيّف.
يشير استبيان بيرسون العالمي للمتعلمين لعام 2021 إلى أن الوباء قد ساهم بتكوين جيل أقوى من الشباب. يرى 90 % من المشاركين في الاستبيان أن الوصول إلى الإنترنت حق أساسي من حقوق الإنسان، وهو ما يدل على أن التكنولوجيا الرقمية هنا لتبقى، وأن مستقبل التعليم سيكون مدفوعاً بالابتكارات ولتقنيات الجديدة.
المناهج الرقمية
على مدى العامين الماضيين، شهد العالم نمو تكنولوجيا التعليم بوتيرة متسارعة. ومع هذا، لم تتطور هذه التكنولوجيا أو تنمو بالوتيرة التي يتوقّعها الطلاب حتى الآن. تُعتبر سهولة الوصول إلى النصوص الرقمية أحد الأسباب الرئيسية وراء تطورها ونموها، ومع التحاق «جيل زد» بالجامعات واعتمادهم على تلقي المعلومات بصورة رقمية، بدأنا نرى تحولاً كبيراً نحو تفضيل النصوص الإلكترونية أو الرقمية. والسبب؟ تمكّن التكنولوجيا الرقمية الطلبة من البحث بسرعة عبر العديد من صفحات النصوص للعثور على اقتباس ما، مفهوم أو فكرة ما، مقارنة بالكتب المدرسية الورقية، مما يعني أن النصوص الرقمية ستصبح الأسلوب المعتمد في البحوث في المستقبل.
ومن ناحية أخرى، تُعدّ مقاطع الفيديو، المحاكاة، الاختبارات والواجبات المنزلية المضمنة في المواد الرقمية خياراً جذاباً للمعلمين والطلاب على حدٍ سواء، مما يمنح المعلمين المرونة لوضع وتقديم جدول تعلّم يوائم أنماط التعلّم المختلفة.
تعزيز الشراكات الجديدة
لا تزال الكثير من الشركات غير واثقة من المهارات التي يجلبها الخريجون الشباب معهم عند التحاقهم سوق العمل. وفقاً لتقرير نشرته «بلومبيرج نيكست»، يشعر 35 % فقط من أصحاب العمل بالثقة في مهارات الموظفين الجدد، سواء المهارات التقنية الصعبة أو «المهارات الشخصية»، مثل حل المشكلات المعقدة والتفكير التحليلي.
ومع ازدياد الإقبال على التعلّم المدفوع بالطلب، ستدرك الشركات فائدة التعاون مع مؤسسات التعليم العالي لضمان امتلاك القوى العاملة المستقبلية مجموعة من المهارات التي تبحث عنها الشركات. ومن ناحية أخرى، ستثبت هذه الشراكات فائدة كبيرة في إعداد الخريجين الشباب للالتحاق بسلك العمل وإعادة صقل مهارات القوى العاملة الحالية، ناهيك عن دورها في زيادة عدد الخريجين ذوي المهارات الرقمية المصقولة ومساعدة الشركات في اكتساب المواهب المطلوبة للنمو والازدهار. ومن الأهمية بمكان إقامة هذه الشراكات بصورة صحيحة لتفادي خطر قيام الشركات بتقديم دوراتها وشهاداتها الخاصة لضمان حصول المرشحين على المهارات المناسبة.
الدورات القصيرة
يجد المهنيون صعوبة أكثر من أي وقت مضى في تأمين وظائفهم، ولهذا يبادرون بتولّي مسؤولية مستقبلهم عبر الاستثمار في تطوير مهاراتهم ذات الصلة. أفاد أكثر من 50 % من المشاركين باستبيان بيرسون العالمي للمتعلمين لعام 2020 أن هناك حاجة ملحة لتطوير مهارات التوظيف، والتي تشمل مجموعة جديدة من المهارات الرقمية الليِّنة، بالإضافة إلى التركيز على مهارات اللغة الإنجليزية. أشارت دراسة أجرتها Generation إلى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع (73 %) الموظفين الراغبين بتغيير حياتهم المهنية ممن تزيد أعمارهم عن 45 عاماً يرون أن التدريب وتطوير المهارات قد ساعدهم في تأمين أدوار ووظائف جديدة.
أثبتت الدورات القصيرة منخفضة التكلفة فاعليتها في معالجة فجوة المعرفة، وعزَّزت من فرص الملتحقين بها في سوق العمل التنافسي عند التقدم لوظيفة جديدة أو ترقية، كما وفّرت فرص تواصل قيّمة، وساعدت في الكشف عن اهتماماتهم المهنية وهواياتهم، وعزَّزت من ثقتهم.
أضف إلى ذلك أن الاستثمار في تحسين مهارات الموظفين خطوة قيمة لأنه يساعد في بناء مزايا تنافسية متنوعة، بدءًا من الاحتفاظ بالخبرة التنظيمية إلى ضمان استمرارية الخدمات والعمليات. وفي بعض الحالات، يمكن للجامعات الأخرى استخدام الدورات القصيرة أونلاين أو تقديم دورات مشتركة مع جامعات أكثر شهرة.
اعتماد الامتحانات المراقبة أونلاين
تواصل المؤسسات التعليمية تحولها إلى إدارة الامتحانات أونلاين، مدفوعة بانتشار التعلّم أونلاين والاستخدام المؤسسي لأشكال التعليم والتعلّم البعيد أو المدمج / المختلط، واتضح أن المراقبة عن بُعد أصبحت عنصراً حاسماً في تحقيق ذلك. وفقاً لاستبيان «EDUCAUSE» لعام 2020، تستخدم نصف المؤسسات التعليمية (54 %) حالياً خدمات المراقبة أونلاين أو عن بُعد، بينما تخطط 23 % منها أو تفكر في استخدامها، ومن المتوقّع أن يزداد حجم السوق العالمي للامتحانات الخاضعة للمراقبة إلى 1.068 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2026، أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 20.8073 %.
سيتبنى عدد أكبر من الكليات والجامعات والهيئات التعليمية الامتحانات أونلاين في سعيها لتصبح مرنة وملائمة ولتسهيل الوصول إليها للتعلّم والتقدّم للامتحانات. ليس هناك أي شك أن صناعة التعليم جاهزة وفي طريقها لتحديد وتبني حلول طويلة الأجل، وليس حلولاً مؤقتة فقط، لتحدي الأزمات التي تعطّل استمرارية التعليم.
توفر برامج «ماي لاب» وبرامج «ماستيرينج» من بيرسون رؤية قابلة للتنفيذ بناءً على أداء الطلبة في كل فصل دراسي وتضمن النزاهة الأكاديمية والصدق في عملية التعليم عن بعد.
يعمل التدخل التكنولوجي في صناعة التعليم على تغيير القطاع بالكامل عندما يتعلّق الأمر بالتعليم والتعلّم. لقد أصبح التعلّم أكثر سهولة وملاءمة، وعليه، ينبغي أن تصبح طرق التدريس أكثر إبداعاً وتركيزاً على الطالب نفسه.
وفي الختام، من الأهمية بمكان أن تدرك الحكومات وقادة الأعمال والتربويون التغييرات التي تشهدها القوى العاملة، وبناءً على ذلك، التعاون لتقديم المهارات اللازمة لإعداد الطلبة لمستقبل العمل وأن يسألوا أنفسهم: بوصفنا مقدمي الخدمات التعليمية، هل نحن على استعداد لتزويد الطلاب بالمعلومات والأدوات الصحيحة لاحتضان هذا التغييرات؟
** **
- نائب الرئيس، قطاع التعليم العالي، بيرسون الشرق الأوسط