د. محمد بن إبراهيم الملحم
أرى أن الجامعات ينبغي لها أن تسهم في شأن مشروع المتعلم مدى الحياة بإيجاد مادة تخصصية في كليات التربية حول التعلم مدى الحياة تقدم فيها المفهوم وأدواته وأساليبه وتطبيقاته، بل وتدرب طلاب الجامعة (معلمي المستقبل) على مهارات التعلم الذاتي ويكون لهذا القسم من أنشطة المادة التقييمية الجزء الأكبر في تقدير المادة، ويمكن أن تقدم أغلب المواد التربوية بطريقة التعلم الذاتي. فبدلاً من حضور الطالب محاضرات الأساتذة للاستماع لإلقاء الأستاذ فإنهم يحضرون للمناقشة والحوار، وذلك بعد أن يكونوا قد بحثوا عن المحتوى بأنفسهم وقرؤوه واستوعبوه، وبالتالي تكون المحاضرة للاستفهام والمناقشة الإثرائية. بل يمكن أن تمثل هذه المناقشات بعدًا آخر في تأسيس ثقافة الحوار لدى معلم المستقبل خاصة عندما يتم تدريب الأستاذ الجامعي على أفضل الممارسات لإدارة حوارات من هذا النوع فيكون قادرًا على توضيح وإظهار المهارات المهمة المطلوبة ليكون الحوار حضاريًا علميًا مثمرًا.
تصوروا معي معلمًا تخرج في كلية التربية أو دبلوم التربية وقد مارس عمليات التعلم الذاتي أكثر من مرة وملك مهاراته واستوعب قيمته في بناء شخصيته المعرفية هو نفسه: كيف سيكون حاله من طلابه؟ وقارنه بالخريج اليوم (مهما كان متفوقًا ومتمكنًا علميًا) والذي كانت علاقته مع العلم ومهاراته من خلال التلقي من أساتذته واستقبال توجيههم والاعتماد على مذكراتهم وظل محبوسًا في ثقافة تلك الممارسات سنوات أو شهور دراسته حتى حصل على الشهادة التي وضعته معلمًا أمام الطلاب، لا شك أن أول من سيلمس الفرق الجوهري بين الشخصيتين هو الطالب، فعطاء ونصيحة الأول يختلف تمامًا عن الثاني بكل المعايير، وهذا ما سيوضح بكل جلاء قيمة ما سيصرف من وقت وجهد ومال أيضًا في تخريج جيل من المعلمين «المتعلمين ذاتيًا» والمقدرين لقيمة التعلّم مدى الحياة، هو بكل بساطة جيل معلمين «مثقف» أو هو على أقل تقدير يحمل استعدادًا عاليًا للثقافة ويمتلك أدواتها.
حتى لو لم تقم الجامعات بمثل هذا الدور فإن المؤسسة التعليمية بأنظمتها وتشريعاتها وممارساتها وثقافتها الإدارية وكذلك أنشطتها التدريبية على رأس العمل وترويجها وتسويقها للمفاهيم الحضارية والثقافية لمهنة التدريس قادرة على أن تحقق مخرجات جيدة ومميزة يمكن تلمّس آثارها بوضوح، بل هي قبل ذلك (لو قامت الجامعات بواجبها على أكمل وجه بتخريج جيل معلمين أكفاء في التعلم الذاتي على النحو الذي وصفناه آنفًا) مطالبة أن توجد لهؤلاء المعلمين المستجدين المناخ الذي يكفل المحافظة على القيم الثمينة التي استلهموها في كلية التربية والمهارات التي دربتهم عليها، ويكفي أن نتصور العكس لنستنتج أن ما سيتعلمه طالب كلية التربية ثم لا يجد له مجالاً للتطبيق في المؤسسة التعليمية سيظل تنظيرًا سرعان ما يغادره ويبحث عن صورة جديدة ترضي ذوق الجمهور أو إن صح التعبير السير على مذهب «المخرج عايز كده».
** **
- مدير عام تعليم سابقًا
تويتر @mialmulhim