في ظل علمنا المتسارع والتقنيات الحديثة المتجددة، والتطور الذي يسابق الزمن، تغيَّرت كثير من المفاهيم وتجددت، وبدا لزاماً علينا مواكبة هذا التحول والتغيير الذي نمر به جميعاً، وإن من أبرز تلك التطورات ما يتعلق بجمهور المنظمات وحاجته لأن يكون جزءاً لا يتجزأ منك، قد تختلف تلك الاعتبارات بحسب المنظمة التي ينتمي إليها، فالربحي يبحث عن مساهمته والعوائد التي يتوقعها من ذلك، وجمهور المنظمة الحكومية ينتظر منها الخدمة بالعدل والإنصاف، وأما أصعبها اعتباراً فهو ما يتعلق بالمنظمات المجتمعية، منظمات القطاع غير الربحي الذي يتنوع معنيوه من متبرع أو مستفيد من خدمة أو غير ذلك.
وفي هذا الصعيد ظهر مصطلح الحوكمة لخدمة هذه الاعتبارات، وجاء بجمع من المفاهيم الجديدة والقيم المشتركة، جاء لينظم عملية المعني بمنظمته، ويحفظ له حق التقاطع الذي بينه وبين تلك المنظمة. جاء استجابة للتغير الذي يشهده العالم اليوم، جاء لتعزيز الثقة وبناء منظمة أكثر قوة ومتانة.
إن من أهم القيم الكبيرة التي دعا إليها مفهوم الحوكمة، وجاءت أدواته لخدمة هذه القيمة، قيمة الشفافية، والإضافة الفريدة التي تقدمها هذا القيمة للمنظمة من خلال تطبيق مفهوم الحوكمة ونشر الوعي والثقافة فيه. وحاجة منظمات القطاع غير الربحي لمثل هذه القيم مهم ومهم جداً. فبها تتأكد صلة المعني بالمنظمة التي ينتمي إليها، ويعمل على وضوح تام معها، وتكون عموم الأعمال جلية واضحة تجاههم وتجاهه.
تتجلى أهمية قيمة الشفافية في مفهوم الحوكمة مع منظمات القطاع غير الربحي نظراً لحاجة تلك المنظمات لتلك القيم والمفاهيم، وتركز مع الجمهورين الجمهور الداخلي والخارجي، وهي معنية بعدد من مختلف المعنيين وأصحاب العلاقة والمصلحة مع هذه المنظمات، وتعمل بشكل مباشر معهم. ولا يتوقف العمل هنا، بل إن الشكل النموذجي المثالي لمنظمات القطاع، هو ما كان مرتبطاً ارتباطاً أصيلاً بأفراد المعنيين، والمتبرع منهم بشكل خاص. كما أن لمنظمات القطاع غير الربحي الدور الأبرز في التعامل مع الإنسان وتنميته، صناعة المشاريع والمبادرات التي تتقاطع أصالةً معه، وهذا -بحد ذاته- يشكل تحدياً خاصاً بمنظمات قطاع التنمية. والتحدي هنا يكمن في استغلال تلك التشريعات والأنظمة الخاصة بتنمية المجتمعات والعمل على تثقيفها، لتحقيق أغراض غير مرجوة من في أصلها، تتعدى لأن تكون سامة خطيرة كارثية في نشر الثقافة المتطرفة، والعمل على هدم الإنسان لا تنميته بالرقي به بمفاهيم الحضارة وقيم الإسلام والإنسانية. مما يعني ويؤكد ضرورة واهمية قيمة الشفافية التي يتضمنها مفهوم الحوكمة وتطبيقاته العملية.
تعمل قيمة الشفافية من خلال مفهوم الحوكمة على منظمات القطاع غير الربحي على تجسير العلاقة الصحيحة السليمة مع القطاع الحكومي من خلال وزارته المشرفة عليه أو الجهات الإشرافية الأخرى، كما تعمل على توثيق علاقة المتبرع بمنظمات القطاع غير الربحي؛ لتكون مساهمته نوعية مستدامة. كما يتعدى عمل تلك القيمة القيمة إلى خدمة مراكز الأبحاث والدراسات ليستفيد الباحثون من معلومات قطاع الإنسان وتنميته. كما تحقق بفضل ما تعطيه لمنظمات القطاع غير الربحي علاقات وشراكات نوعية محلية وعالمية، تعمل على إنضاج وإنجاح الأهداف التنموية السامية. كما تعزز صورة المنظمة غير الربحية مع معنيها، فوضوح العمل والمشاريع والمبادرات، وتحقيق الأهداف والاستراتيجيات، ووضوح سير العملية المالية، وتجلي كامل الأساليب والنماذج لمعنيها. كما تساعد منظمتها وتحميها في أزمنة التحديات والمشكلات التي قد تحل بمنظمات القطاع غير الربحي. كونها عملت على أن يكون ذلك المعني جزءاً لا يتجزأ من المنظمة، يساندها ويقف إلى جانبها في حل المشكل وتجاوز التحدي، ويرى بذلك هذه الأعمال الجليلة ومدى خدمتها للمنظمة.
في الختام جاء مفهوم الحوكمة بجملة من المفاهيم والقيم والأدوات، ليساعد بذلك كله المنظمات التي تتبناه، وتعمل على تكريسه في عمليتها، ونشر الثقافة والوعي بين أفرادها العاملين ولمعنييها من خارج المنظمة. وإن قيمة الشفافية هي الأبرز في ذلك كله، وما تناولناه في أهميتها وآثار تطبيقها على منظمات القطاع غير الربحي.