محمد سليمان العنقري
صناعة الأخبار الزائفة بضاعة رائجة منذ قرون، تتطور من خلال وسيلة النشر، فالأكاذيب المصطنعة أو تضخيم وتحريف بعض الأخبار تعد من وسائل الحروب للتأثير السلبي في المجتمعات أو المنشآت أو الأسواق وهي ما تسمى بالشائعات وفي عصر التكنولوجيا والإنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل ترويج الشائعات التي قد ينساق خلفها البعض دون علم أو دراية بأنها زائفة أو محرفة ويسهمون في تحقيق غاية مطلقيها بانتشارها وخلق البلبلة التي يسعون إليها والمملكة بحكم دورها الواسع في العالم العربي والإسلامي وكذلك الدور الدولي الكبير في استقرار الاقتصاد العالمي وكذلك ما تشهده من تحولات كبرى بعد إطلاق رؤية 2030 التي تدخل مرحلتها الثانية بعد أن تحققت أهداف المرحلة الأولى من حيث تطوير الأنظمة والتشريعات وإطلاق البرامج الرئيسة التي بدأت تنهض بالعديد من القطاعات الاقتصادية نحو تنافسية إقليمية ودولية وكذلك تجاوزها للأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم أجمع بسبب تفشي وباء كورونا لتكون أفضل دول مجموعة العشرين من حيث النمو الاقتصادي في الربع الأخير من عام 2021 عند نحو 11 في المائة حسب مؤشر «آي إتش إس» ماركت وكذلك تصديها لكل المشاريع التخريبية ضد الأمن القومي العربي جعل الأعداء من الخارج لا يتوقفون عن محاولة ترويج شائعات كاذبة عبر وسائل التواصل، فقد أصبحت أساليبهم مكشوفة للكثيرين.
وقد أكد مصدر مسؤول في النيابة العامة «أن نشر الشائعات والأكاذيب حول أي أمر من الأمور «المتعلقة بالنظام العام» أو الترويج لها أو المشاركة فيها بأي طريقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا تلك التي يكون «منشؤها» جهات معادية تُدار من الخارج يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف وفقا لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية ونظام الإجراءات الجزائية». فهذا التنبيه والتحذير من مقام النيابة العامة يعبر عن فداحة جرم بث ونشر الشائعات لأن مخاطرها كبيرة وتأثيرها بالغ في الاقتصاد والمجتمع عموماً وقد أتى هذا البيان بالتزامن مع ما نشر من شائعات كاذبة حول إحدى الفعاليات مؤخراً حيث رصدت النيابة العامة حسابات تقوم بالترويج للشائعات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتنسيق ودعم من جهات خارجية وانساق وراءها أشخاص من داخل المملكة أسهموا بنشرها حيث تم استدعاؤهم للتحقيق واستكمال الإجراءات النظامية بحقهم وبينت النيابة العامة أن عقوبة الترويج للشائعات بمختلف أوجه المشاركة فيها تصل إلى السجن لخمسة أعوام وغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ريال بالإضافة لعقوبات أخرى، فمثل هذه العقوبات المغلظة لم توضع إلا لأن الشائعات تتسبب في أضرار جسيمة.
فالتاريخ حافل بالأمثلة للأضرار التي تسببها الشائعات، لعل منها ما يطلق أثناء الحروب لبث الإحباط بالجبهات الداخلية للدول المتحاربة وكذلك في الشأن الاقتصادي تعد الشائعات بضاعة دسمة تستغل، إما لتحقيق أرباح من خلال بث شائعات بأسواق المال، إما تسريب أخبار كاذبة حول ورقة مالية بقصد رفع سعرها والبيع على من يصدقون ويروجون تلك الشائعات أو بث اليأس لدى المتداولين في حال كان الهدف توجيههم لبيع ما يملكونه من أسهم واستثمارات عموما ليقوم المستفيدون بشرائها بأسعار منخفضة والعودة لبيعها بعد رفع أسعارها ولا يقتصر بث الشائعات على الأسواق المالية، بل في أغلب الأنشطة الاقتصادية التي تتم فيها عمليات تداول واسعة مثل العقارات وغيرها وكذلك الترويج لأكاذيب تضر باقتصاد الدول المستهدفة بالشائعات، فمن المهم رفع درجة الوعي بالمجتمع لبتر تمدد أي شائعة من البداية من قبل أفراد المجتمع من خلال وعيهم بخطورة الشائعات وسهولة نشرها والطرق الحديثة المبتكرة لذلك وأن وسائل التواصل مليئة بالحسابات المعادية التي تتداخل بكل حدث أو فعالية لدس تلك الشائعات الكاذبة، فالدولة تضع الأنظمة والضوابط للنشر الإلكتروني وما يترتب عليه من حقوق وواجبات بهدف حماية المجتمع من ضرر الأخبار الزائفة.
الشائعات سم قاتل وسلاح خطير ضرره واسع وما تشهده المملكة ولله الحمد من نهضة وتنمية وتطور مستدام في كافة المجالات بكل تأكيد لا يروق للأعداء ولذلك لا يتوقفون عن محاولة ترويج الأكاذيب، بينما الحقائق واضحة وتعلنها الأجهزة الحكومية بكل شفافية، فمن المهم ألا نستقي المعلومة إلا من المصدر الرسمي، فالقاعدة تقول «لا تبع الحقائق وتشتري الشائعات» وقافلة النماء والتطور بالمملكة تسير نحو أهدافها بينما الأعداء يكتفون بالنباح.