م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. المضمون الصلب للهوية هو الثقافة.. فالهوية لا تقوم إلا على الثقافة.. والثقافة مجال اجتماعي تام يتشارك في تكوينه الدين والاقتصاد والسياسة والبيئة المحيطة.. ويجري عليها ما يجري من تحولات في الاقتصاد والسياسة والمحيط العام.. من هنا فإن الثقافة كمضمون هي كيان مُدْرَك واعٍ متحرك متشكل متغير متطور.. فإذا كانت الهوية قائمة على الثقافة والثقافة من طبعها التطور فإن الهوية ضمناً تتحول وفق التطورات التي تصيب الثقافة.. وهذا ينفي ثبات الهوية.
2. ولأن الهوية تقوم على الثقافة.. وخوفاً على هويتنا من التغير والتبدل.. فقد اجتاحنا رأي رافض لأي تنوع للثقافة أو تعدد لمصادرها.. وحَوَّلنا الثقافة من مُنْتَج اجتماعي تشكله الظروف المحيطة به إلى وسيلة هيمنة وسيطرة على الواقع المعيش.. تتحكم فيما نرى ونطمح إليه.. نحكم من خلالها على الأحداث والأشخاص والأشياء.. ونحدد على ضوئها مسار حياتنا.. ونقاوم خوفاً على هويتنا أي تفاعل ثقافي مع الثقافات الأخرى.
3. تم تحويل الثقافة من وسيلة تغيير لحياتنا نحو الأفضل إلى وسيلة إعاقة تدعو إلى الرجوع إلى الخلف.. كل ذلك في سبيل حماية الهوية.. هذا الحد من تفاعل العامل الثقافي مع المضمون الاجتماعي الناتج عن الظروف الاقتصادية أو البيئية أو السياسية حَوّل الثقافة من وسيلة تغيير وتطوير إلى مجرد تنظيرات أوقعت المجتمع بكليته في مأزق الواقع المعيش.. وأفسدت المناخ الصحي الذي يمكن أن تنشأ فيه الأجيال التي تنظر إلى الأمام وحَوَّلته إلى تنشئة أجيال تنظر إلى الخلف.
4. خوفنا على الهوية أبقى المجتمع ساكناً جامداً يقاوم التحول.. وأصبح مصطلح الثقافة مصطلحاً يستخدم للذم وليس للثناء.. فصار من معانيها الكلام الفارغ المتنطع المتقعر، والأفكار غير المنطقية، والاستكبار على العامة، والابتعاد عن واقع الناس اليومي بالنزوح إلى أبراجهم العاجية.. بمعنى آخر أصبحت مفردة «المثقف» تعني الشخص المنعزل عن مجتمعه.
5. توجيه الشباب نحو النظر إلى الخلف أوقعهم في مطب خطير.. فكل من سوَّلت له نفسه بالنظر إلى الأفكار والثقافات الأخرى ولو لإلقاء نظرة عابرة وقع في الفخ وأصبح سهل الاستدراج.. لأنه تم إعداده من خلال التلقين الساذج.. وأصبح متلقياً سلبياً متاحاً للوقوع في شِراك الفهم المغلوط والإدراك المنقوص.. وغدا صيداً يمكن تناوله وتشكيله والتأثير عليه.. وتحول المثقف الشاب إلى تابع غير واعٍ للتيارات الجديدة دون مقاومة أو حتى استدراك يمكن أن يسنده من ثقافته التي تلقاها كحافظ تابع ليس إلا.
6. أخيراً، هل الهوية غاية أم وسيلة؟ الحقيقة أننا أصبحنا نتعامل معها على أنها غاية ندافع عن ثباتها وعدم تجديدها وتطويرها ونعيب على كل من يفعل ذلك.. على أساس أنها سبب لما يحصل لنا ونعانيه بينما هي في الحقيقة نتيجة لما نعانيه.. هذه الإشكالية لا توجد إلا في رأس الذي يدعونا للتمسك بها أحياناً ليس للمصلحة العامة، بل للمصلحة الخاصة.. أو أنه يعاني من مخاوف شخصية ورثها وليس لها أساس من الصحة.