د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لا يذكرُ متى ولا اسمَ المسرحية التي حضرها مع الصديق القريب عبدالله بن عبدالعزيز الرعوجي، وكان نجمُها الذي أطلنا الإعجابَ به والحديثَ حوله شابًا أدى دور المُسنّ بوظيفة « فرَّاش» كما كان يسمى حينها، أو مراسل -tea boy بلغةِ الآن، ولاستمتاعه عاد للعرض ثانيةً وكان الممثلُ الذي رآه أهمَّ شخوص المسرحية وسببَ تكرار رؤيتها قد تغيبَ وحلَّ مكانه آخرُ، وإذْ سأل عنه عرف أنه غادر لاستكمال دراسته في «هوليود Hollywood».
** لم يطل الوقتُ بعدها، وابتُعث الكاتب من معهد الإدارة إلى «سان دييغو» بولاية كاليفورنيا للدراسة في جامعتها، ولم تكن المسافةُ بينها وبين عاصمة السينما تتجاوز مئة ميلٍ فمنَّى نفسَه برؤيته فيها ولم يتحقق، ثم رآهُ بعد عقود في مناسباتٍ اجتماعيةٍ ورسمية وبخاصةٍ عندما تواصل معه ليدعوَه للمشاركةِ في احتفال «جمعية ألزهايمر» بمناسبة اليوم العالمي للتطوع عام 2015 م، وكان صاحبكم أحدَ أعضائها الذين رافقوها منذ خطوتها الأولى، ورأس – على مدى أعوام – لجنة التطوع بها، ولن ينسى يوم اصطحبه بسيارته إلى مقر الجمعية في مفتتح تعاونٍ معها، كما مثَّل إطار مودةٍ بينهما ظلَّت عامرةً حتى فجعه خبرُ دخوله المستشفى ثم وفاته، رحمه الله.
** تحول « النجم» علي بن عبدالله الهويريني 1945 - 2022م إلى متأملٍ في الكون والحياة، ومتدبرٍ لآيات القرآن، ومفسرٍ لأحداث التأريخ، ساعيًا إلى تقديم قراءاتٍ مختلفةٍ عن السائد أو مطورةٍ لها، مما يُتفقُ معه ويُختلف، واتضح تأثيرُ قراءاته في أسلوبه ومعجم مفرداته وشعره وميله لتعميق أحاديثه التي انتشرت عبر اليوتيوب YouTube متفردًا بانطلاقِ طرحه وانسيابيته وتجدّده، وكأنه شاء أن يُغيرَ صورة الممثل – الدُّمية، والفنّ – النمطي، وما ارتبط بهما من تسطيحٍ احتله مدرجُ التهريج.
** لم يكن أبو عبدالله يستترُ خلفَ أفكاره فمثلت شخصَه ونصّه، وواقع اقتناعاته وإيقاعَ رؤيتِه، وأدرك أن في بعضها تجاوزًا لما قد يراه غيرُه من عامةٍ ومن علماء فما كان باحثًا ولا ادّعى المنهجية، ولعله شاء أن يختصر الزمن كي يقولَ ما يؤمنُ به من غير أن يُصادر آراءَ سواه أو يصادر سواه آراءَه، كما بقي مخلصًا لمسيرة الدراما التي مارسها وتعلمها؛ فجاء أداؤُه غيرَ مبرمج، وشكلُه غيرَ مبهرج.
** ولد في البدائع، ودرس في مدرسة الأيتام بعنيزة وقت إدارة الشيخ عبدالعزيز بن محمد العوهلي أحدِ مريدي الشيخ عبدالرحمن السعدي – رحمهم الله - وانطلقت مواهبُه في الرياض والولايات المتحدة، ولم يتفرغ للفنِّ الذي هواه وتخصص فيه، ربما لأنه لم يجد المُناخَ المناسبَ، أو أدرك ابتذال معظمِه، مكتفيًا بمشاركاتٍ معدودة، وغادر الدنيا بعدما صار لقبُه المثقفَ وليس الفنان، وصورتُه الموجّه وليس الوجه، وهل أجملُ من استبدال الذي هو خيرٌ بما هو أدنى في زمن الهدر والهذر؟!
** الرحيلُ جسدٌ لا تجسُّد.