م. خالد إبراهيم الحجي
إن الثورة الصناعية الرابعة التي انطلقت في العقد الأخير من القرن العشرين، تختلف اختلافاً كبيراً عن الثورات الصناعية الثلاث التي سبقتها؛ لأنها ثورة شاملة تتكون من نظام فيزيائي ورقمي وبيولوجي معًا، وتعتمد على المعالجات الرقمية للبيانات والمعلومات بالسرعة الفائقة، ولها ابتكارات واختراعات واعدة، تتسابق الدول الغنية على تطويرها والاستفادة منها تجاريًّا، وتنويع مصادر الدخل الاقتصادي القومي، وفي مقدمتها وعلى رأسها 9 تقنيات رئيسية، بما في ذلك الأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، وتحليلات البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتكنولوجيا الحيوية البيولوجية، والروبوتات، وتخزين الطاقة المتجددة، وأخيراً وليس آخراً الذكاء الاصطناعي الذي يمثل المحور الرئيسي للثورة الرابعة: والذكاء الصناعي هو محاكاة القدرات الذهنية البشرية في التعلم والاستنتاج، وردود الأفعال المناسبة، ويسمى أحياناً بالذكاء الآلي الذي يقصد به الأجهزة التي تدرك الواقع المحيط بها، وتتخذ إجراءات عملية لتحقيق الأهداف والنتائج وإنجاز الأعمال المطلوبة منها؛ وباختصار شديد هو علم هندسة صنع الآلات الذكية.. واستخدام آلات الذكاء الاصطناعي يتطلب التعامل مع كم كبير من البيانات والمعلومات بالسرعة الفائقة التي يعجز العقل البشري عن الإلمام بها، وتُمكنه من الاستفادة القصوى منها، وأحد أوضح الأمثلة على مخرجات الذكاء الاصطناعي التي يتم تطبيقها في الحياة العملية السيارات ذاتية القيادة التي تعدُّ «أم الذكاء الاصطناعي»؛ لأنها نموذج مثالي يتضمن عدة تطبيقات للذكاء الاصطناعي في منظومة واحدة؛ فهي سيارة يمكنها أن تقود نفسها بنفسها ولديها القدرة على السمع والبصر، والتعرف على الطرق والاتجاهات والوقوف الصحيح، والتجاوز والتفاعل الفوري السليم مع الحالات المرورية المختلفة التي تحقق القيادة الآمنة.. وفي أعقاب الثورة الصناعية الرابعة التي يعيشها العالم اليوم، بدأت الحكومات والشركات في جميع أنحاء الشرق الأوسط في إدراك التحول العالمي نحو الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة. وباتوا يواجهون الاختيار بين أن يكونوا جزءًا من السباق التكنولوجي، أو أن يتخلفوا عن الركب. وعندما ننظر إلى التأثير الاقتصادي على المنطقة، فإن التخلف عن الركب ليس خيارًا. وبحسب موقع ياهو للأخبار والبيانات والتقارير المالية من المتوقع أن يحقق الشرق الأوسط 2 في المائمن إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي في عام 2030. وهذا يعادل 320 مليار دولار أمريكي.. وعند الأخذ بالأرقام المطلقة، من المتوقع أن تتحقق أكبر المكاسب للمملكة العربية السعودية عبر برامج رؤيتها 2030 التي أحد أهدافها الرئيسة هو تنويع مصادر الدخل القومي، حيث من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 135 مليار دولار أمريكي في اقتصادها الوطني في عام 2030، أي ما يعادل 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن الناحية النسبية، من المتوقع أن تشهد الإمارات العربية المتحدة أكبر تأثير لما يقرب من 14 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي لعام 2030. وللتوضيح فإن الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما في عام 2019 بلغ 721 مليار دولار للسعودية و 421 مليار دولار للإمارات العربية المتحدة، وذلك بحسب الأرقام المعلنة في موقع البنك الدولي.. وبالعودة إلى بيانات ياهو المالية، من المتوقع أن يتراوح النمو السنوي في مساهمة الذكاء الاصطناعي بين 20 - 34 في المائة سنويًا في جميع دول منطقة الشرق الأوسط، مع أسرع نمو في المملكة العربية السعودية تليها الإمارات العربية المتحدة، مع الإشارة إلى أن حجم التأثير المتوقع في هذين الاقتصاديين غير مفاجئ، بالنظر إلى حجم الاستثمارات النسبية لكل منهما في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بالمقارنة مع بقية دول منطقة الشرق الأوسط، حيث يحتل كلا البلدين مكانًا ضمن أفضل 50 دولة في العالم على مؤشر الابتكار العالمي من حيث القدرة على الابتكار، ومخرجات ابتكاراتهم.. وقد يكون حجم تأثير السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط أكبر إذا استمرت الحكومة في دفع حدود الابتكار وتنفيذ الذكاء الاصطناعي عبر القطاع الخاص.
الخلاصة: إن قدرة المملكة على رؤية التغيير كفرصة سانحة وليس كتهديد يجعل رؤيتها 2030 ابتكاراً..