اللغة العربية من أقدم اللغات يعود أصلها للغات السامية في الجزيرة العربية وتطورت مع الزمن نتيجة لعدة عوامل منها تعدد الحضارات وتعدد لهجاتها. استطاعت اللغة العربية أن تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى، وكان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها، اعتبروها جميعاً لغة حضارتهم وثقافتهم.
تمتد أهمية اللغة العربية إلى العلاقة الوطيدة بين الثقافات المختلفة بالشعوب والأمم، فهي وسيلة التواصل بينهم، وهي التي تعبر عن تفكير الأمم والوسيلة الأولى في نشر ثقافات الأمم المختلفة حول العالم. والتواصل بين المجموعات البشرية لم ينقطع على مر الزمن، ولكنه في العصر الحاضر أكثر وأعرض وأعمق، وذلك بفضل ما توصلت له الحضارة من أسباب التقدم والرقي.
كانت اللغة العربية اللغة الأم للدين الإسلامي وصاحبة الدور الرائد خلال عصور الإسلام الأولى، ثم شاركتها اللغات الإسلامية الأخرى في بناء الحضارة الإسلامية وتشييد أركانها في شتى المجالات، وكان من الطبيعي خلال ذلك أن تتأثر تلك اللغات باللغة العربية وتؤثر فيها، وأن يتشابه المصطلح اللغوي نتيجة للأرضية المشتركة والتوحد في المفاهيم، وعلى مر العصور ونتيجة للتلاقح الثقافي النشط بين مختلف الشعوب أصبح كثير من الكلمات والمصطلحات يشكل بناء مشتركاً للمفاهيم والقيم الثقافية المشتركة.
لقد ظلت اللغة العربية لغة القرآن قروناً عديدة محتفظة بالعلم والأدب، ثم استعملت الأمم الأعجمية لغات إسلامية شاركت العربية في الشعر والنثر، وبقيت اللغة العربية لغة العلوم الدينية والعقلية قروناً كثيرة بعد نشوء تلك اللغات، حيث شكلت جهود الشعوب التي دخلت في الإسلام الأسس المتينة التي بنيت عليها الحضارة الإسلامية، إذ دخلتها هذه الشعوب حاملة معها عناصر حضارتها المحلية وكثيراً من مكنوناتها الفكرية والثقافية.
تحتل اللغة العربية المكان البارز في تفكير العرب وثقافتهم وتعيش نهضة عصرية جديدة، وإنها لقادرة على استيعاب المصطلحات العلمية وتمثيلها، وقد أخذت الجامعات في الأقطار العربية تهتم بتطوير اللغة لاستيعاب مصطلحات العلوم والفنون والصناعات والتكنولوجيا الحديثة.
اللغة العربية من لغات العصر ومن لغات العلوم الحديثة والقديمة على السواء، كانت في وقت ازدهارها لغة العلوم العصرية ولغة الحضارة الخالدة التي سادت قروناً طويلة وكانت فيها زهرة الدنيا وقِبلة العلماء من كل عصر ومصر. إن لها تاريخها اللغوي العريق وتاريخها العلمي والثقافي قطعت نهضتها الجديدة في العصر الحديث.
تميزت اللغة العربية عن بقية اللغات في مسايرة التطور الحضاري، وبما أن اللغة العربية تشكل هوية الأمة الثقافية التي تميز عن باقي الأمم، فاللغة العربية هي الوعاء الأساسي الذي يحتوي على العلوم والتكنولوجيا والثقافة والتاريخ والحضارة.
واليوم تعتبر اللغة بشكل عام من أهم ميزات الإنسان الطبيعية والاجتماعية، وهي الوسيلة الوحيدة الأفضل للتعبير عن المشاعر والاحتياجات بالفرد والجماعة، وتأتي أهمية اللغة العربية من أنها من أحد مكونات المجتمع الرئيسية، وهي من أهم عوامل البناء في مختلف الحضارات والثقافات، وهي السبب الرئيسي في قيام الدول وإنشاء المجتمعات المختلفة، لأن التواصل الديني يتم عن طريق اللغة واللبنة الأساسية في عملية البناء الحضاري.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية، كولكاتا - الهند