إن تربية الأبناء من أهم واجبات الأسرة بشكل عام والأسرة المسلمة بشكل خاص، فالأسرة مسؤولة عن إشاعة جو أسري يتسم بالحب والتفاهم والنقاش الصحي. نظام الأسرة في المجتمع المسلم يقوم على المحبة والتوافق، وعادة ما يقوم هذا النظام الأسري على ردع الأطفال عن فعل الأشياء السيئة، وتعزيز مبدأ الثواب والعقاب، وزرع القيم التي يؤمن بها المجتمع، مع توفير جو من التعايش بين أفراد الأسرة؛ يقوم على معرفة كل فرد بحقوقه ومسؤولياته، وتعزيز التسامح ونبذ العنف، واستخدام أسلوب الحوار الهادئ لحل المشاكل، وتوعيتهم بالمسؤولية الفردية والجماعية، وتبني مبدأ الشورى في قضايا الأسرة؛ كل هذا يساعد في توفير روابط اجتماعية وترسيخ واحترام العقيدة الدينية في نفوس الأطفال، والعادات والتقاليد الإيجابية التي يؤمن بها المجتمع، وغرس روح المواطنة والانتماء في نفوس الأبناء لتنشئة الصالحين في مجتمعهم؛ هي من مكونات الأسرة الطيبة، ويجب أن يتكامل دور الأسرة مع دور المدرسة والجامعة. من خلال التعليم الجيد وغرس القيم والفضائل التي تعتبر درعا واقيا من أي تهديدات للضمان الاجتماعي للأسرة، ولكن في ظل العولمة والانفتاح على الاتصال والتواصل الرقمي، هناك العديد من التهديدات والتحديات التي تهدد هيكل الأسرة الاجتماعي، الذي قد يؤدي بدوره إلي التفكك الأسري أو الانجراف أو غيره من تلك العواقب.
الهدف من الزواج هو تكوين أسرة تعيش في سلام واستقرار واستمرارية، والعلاقة بين الزوجين تقوم على الثقة والاحترام المتبادلين ومع ذلك، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد ألقى بظلاله على طبيعة العلاقة بين الزوجين، وكذلك علاقتهما بأطفالهما أدى الاستخدام المفرط لهذه الوسائل إلى فشل الوالدين في الوفاء بمسؤولياتهما تجاه أطفالهما، مثل التحدث معهم ومراجعة واجباتهم المنزلية وما إلى ذلك، كما أدى استخدام الأزواج بشكل مبالغ فيه لمواقع التواصل الاجتماعي إلى توتر العلاقة بينهما بسبب عدم وجود حوار شخصي وثقة بينهما وعلى الرغم التواجد المادي لأفراد الأسرة، إلا أن هناك غيابا روحيا وعاطفيا بينهم، حيث يمسك كل منهم بهاتفه، غافلاً عمن يجلس معه وأثر ذلك في مجال التعليم انشغال الأب والأمهات بأجهزة الاتصال، مما أدى إلى تقصيرهم في مسؤولياتهم تجاه أبنائهم وبناتهم في التعليم والإشراف.
تعد ظاهرة انفصال الأسرة أو القطيعة أحد مظاهر تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأسرة، حيث أصبح التواصل بين أفرادها محصوراً بالمحادثات الضرورية والمختصرة، وغابت الجلسات العائلية الحميمة بين أفراد الأسرة الواحدة، وكل فرد لديه تفضيلاته الخاصة وكذلك معارفه وأصدقائه فقد بلغ تأثير وسائل التواصل الاجتماعي مداه وتغلغل في جوانب الحياة المختلفة من الأطفال إلى الشباب والكبار أيضا فلوسائل التواصل الاجتماعي جاذبية تشد الجميع لها والجميع منساق خلفها بدون تفكير أو روية فالجميع منهمك في سرعة الاطلاع على ما يتابعه من مواقع وأخبار وأحداث قد لا تؤثر فيه الآن ولكن لها عميق الأثر مستقبلاً.
تبدأ عملية التنشئة الاجتماعية، المعروفة أيضاً باسم التربية الاجتماعية أو التطبيع الاجتماعي، في المنزل، مع إعداد الإنسان وتأهيله للحياة الاجتماعية التي يجب أن يتكيف معها ويتفاعل معها بشكل إيجابي، تتقاسم المؤسسات الرسمية، كالمدارس والمؤسسات غير الرسمية، مثل دور العبادة والمؤسسات الثقافية والاجتماعية، مسؤولية التنشئة الاجتماعية مع الأسرة، وتعتبر التنشئة الاجتماعية السليمة بمثابة صمام أمان للأمان الاجتماعي والثقافي والفكري للأسرة ونتيجة لذلك، نكتشف أن ديننا الحنيف أعطى الأولوية للأسرة كنظام اجتماعي يؤسس لمجتمع صالح، ويضع أسساً متينة لكيفية رعاية الأطفال وتربيتهم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي شريكاً مباشراً للأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية في عصر التقنيات والأماكن المفتوحة.
نظراً لأن التنشئة الاجتماعية التقليدية التي تقوم بها الأسرة تتم وفقاً لنظام اجتماعي مرتبط بالدين والعادات والتقاليد، فقد يكون شريكاً سلبياً، التنشئة الاجتماعية التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي هي مزيج من الثقافات المختلفة التي لا يمكن تقنينها أو السيطرة بسبب دوافع وسائل التواصل الاجتماعي وإغراءاتها، فضلاً عن تأثيرها المباشر والقوي على الأفراد في عالم افتراضي مليء بالإمكانات.