عبدالرحمن الحبيب
كان متوقعاً أن يزيد معدل استخدام منصات التواصل الاجتماعي مع ظهور جائحة كورونا وما صاحبها من زيادة مدة البقاء في المنزل عام 2020، لكن ذلك لم يحصل. تقول الدراسات إن التوجه قبل جائحة كورونا كان نحو الانخفاض في المنصات الرئيسة مثل فيسبوك وتويتر وسناب شات وانستغرام، إلا أن الجائحة أوقفت هذا الانخفاض المتوقع.
فلماذا، بالأساس، يحصل انخفاض؟ يبدو أنه نتيجة التوجه نحو استخدام المحتوى الترفيهي بدلاً من مواقع التواصل. بصورة عامة، فإن الإحصاءات تشير إلى ميل لدى فئة الشباب نحو المحتوى الترفيهي سواء في منصات التواصل الاجتماعي الجديدة مثل تيك توك أو في قنوات الأفلام الجديدة مثل نتفليكس؛ ومن المتوقع أن هذا الميل سيكون على حساب منصات الحوار والتواصل القديمة، لأن المعتاد أن فئة الشباب هم من يقود التوجهات الجديدة حسب ما تشير الأبحاث.
آخر الإحصاءات توضح أن معدل عدد الدقائق التي يقضيها الفرد على شبكات التواصل الاجتماعي ارتفع من 142 دقيقة عام 2018 إلى 145 عام 2019 ثم ظل كما هو عام 2020، لكن انخفض إلى 142 دقيقة في الربع الأول من عام 2021 (Statista).
لكن في التفاصيل نجد صورة أخرى، إذ إن الإقبال على فيسبوك وهو الأكثر انتشاراً على مستوى العالم شهد انخفاضاً مقابل زيادة في تيك توك. وقد يرجع ذلك إلى أن النسبة الأكبر التي تقود التوجهات في المنصات الاجتماعية وهي فئة الشباب قد توجهوا نحو تيك توك بمعدلات تتزايد، مقابل مللهم من منصات النقاش مثل فيسبوك وتويتر.. لكن كيف كان الاتجاه وما المتوقع أن يصبح؟
منذ حوالي سنتين نشرت خبيرة العلامات التجارية سارة ويلسون (جامعة هارفرد) إلى أن شعبية المنصات الاجتماعية تتراجع إلى حد ما بسبب فئة الشباب الذين يقودون نمو هذه المنصات؛ موضحة أن الشباب يتوقون إلى الخصوصية والأمان والراحة من حشود الأشخاص على المنصات الاجتماعية (الحشود التي تضم آباءهم الآن)، وينجذبون نحو وجهات أكثر حميمية، أطلقت عليها ويلسون «نيران المخيمات الرقمية» تشبيهاً بالمخيمات التي تستخدم للطهي والشوي في اللقاءات الاجتماعية كمقابل لتجمعات الحشود الضخمة.
على سبيل المثال، تشير أبحاث 2019 إلى أن مقدار الوقت الذي ينفقه جيل الألفية على العديد من المنصات الاجتماعية كان إما ثابتًا أو متراجعًا أو لا يرتفع بالقدر الذي كان عليه في السنوات الماضية (Global Web Index). كما تُظهر نتائج إحصاءات عام 2019 أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 34 عامًا عبر العديد من المنصات إما قد تضاءل أو يتضاءل (Edison Research, Triton Digital).
وعلى نفس الاتجاه، وجدت إحصائيات وأبحاث استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعام 2021 تحولات مفاجئة في كيفية استخدام الأمريكيين للشبكات الاجتماعية، حسب التقرير السنوي الأخير بعنوان The Infinite Dial (أبحاث إديسون). خلاصته أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي زاد بشكل طفيف في عام 2021، لكن المفاجأة في التفاصيل، فقد عزز تيك توك نموه بين الشباب بينما استمرت شعبية فيسبوك في الانخفاض بين الشباب ومتوسطي العمر، كذلك انخفض سناب شات، أما تويتر فقد انخفض ثم استعاد معدله، كما شهد انستجرام زيادة طفيفة.
قبل ظهور جائحة كورونا كان هناك نقص في ظهور شبكات اجتماعية جديدة، مما قد يفسر لماذا لم يزد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الشباب. عادةً، عندما تظهر شبكات اجتماعية جديدة، يتم تبنيها أولاً من قبل الشباب، ثم يصبح جموع المستخدمين أكثر انعكاسًا ككل عندما يبدأ كبار السن في تسجيل الدخول إلى هذا «الشيء الجديد» (جاي باير، 2022).
الأكثر إثارة للدهشة هو انخفاض فيسبوك (صاحب الشعبية الأكبر عالمياً) وصعود تيك توك التي أصبحت شائعة بشكل ضخم لأول مرة عام 2020 مع استخدام 25% واستمرت في الارتفاع عام 2021 بنسبة استخدام تصل إلى 44% بين الأمريكيين.. في حين أن فيسبوك انخفض بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 34 عامًا، من 79% عام 2017 إلى 57% اليوم؛ إلا أن الفئة السكانية الوحيدة التي شهدت زيادة في عدد المستخدمين كانت الفئة العمرية 55 عامًا أو أكبر، بينما كل الفئات العمرية الأخرى شهدت انخفاضًا.
بصورة عامة، وجدت دراسة إديسون أن الزيادة الضئيلة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، كانت مدفوعة بجائحة كورونا، وبالتالي، تستنتج الدراسة أنه من غير المرجح أن ينمو العدد الإجمالي للمشاركين على وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة على المدى القريب. الخلاصة أن الشباب قضوا وقتًا أطول في المنزل أثناء الوباء، وقد اجتذبهم المحتوى الترفيهي على تيك توك مستخدميه أكثر من المنصات التي تركز على التواصل.
كان يُقال: إن فيسبوك لأناس يعرفون بعضهم، إنما تويتر لأناس يريدون أن يعرفوا بعضهم.. يُقال أيضاً: إن فيسبوك مكان يتسع للأفكار الناضجة، بينما تويتر لأفكار سريعة غير ناضجة تلهث للحصول على أتباع.. أما في المستقبل القريب فقد يقال كان هناك شيء اسمه فيسبوك وتويتر.. من يدري؟