عمر إبراهيم الرشيد
كنت قد كتبت عن الفنان والمثقف الراحل علي الهويريني رحمه الله تعالى في هذه الصفحة، وعن مدى عمق وسعة خياله الفني واطلاعه وحسه المسرحي والأدبي. والذي يتأمل طرح هذا الفنان يلمس مسحة من الحزن أو الإحباط، وهي حالة تصيب الشخص فائق الوعي مع الحس الشخصي والاجتماعي المرهف. فمن لا يأبه إلا لإشباع بطنه أو غرائزه تجده بعيداً أو خالياً من الهم الشخصي أو الاجتماعي، ولا يتأثر لكلمة أو موقف من أحدهم، كما قال المتنبي (ذو العقل يشقى في النعيم بعقله/ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم).
وأؤكد على ما قلت من قبل من أن الفنان الهويريني فنان مسرحي وكوميدي مع خلفية فنية وثقافية واسعة، مثله مثل الراحل محمد العلي وبكر الشدي وعبدالعزيز الحماد وكثيرين غيرهم، نهضوا بالمسرح السعودي في السبعينيات والثمانينيات الميلادية. لكن مع توقف أو تعطيل المسرح وما يتبعه من أعمال درامية تلفزيونية، تعطل وأصاب الإحباط ممثلين وكتاباً ومخرجين، فلم يجدوا ما يفرغون فيه تلك الطاقات والمعارف والتطلعات، وأهم تلك المرافق هو المسرح أبو الفنون، باعتباره المنصة التي تستخرج كل ما في الممثل من قدرات حركية وتمثيلية وخيال وحس فني وثقافي، ولأن المسرح يتطلب قدرة على التكيف مع أي طارئ ويتطلب حضوراً ذهنياً كذلك. وقد استنتجت هذا حين عاد الممثل الراحل بطريقته الخاصة بعد غياب عن المشهد الفني السعودي لسنوات طوال، عاد عبر وسائل التواصل يلقي قصائد ونثراً أدبياً أو يدلي برأي في قضية اجتماعية أو فكرية أو تاريخية. وبرغم ما أثارت بعض آرائه الجدل في المجتمع عبر تلك الوسائل، إلا أن تلك الإطلالات جذبت بدورها محطات محلية وخليجية للالتقاء بالفنان الغائب واستدرار قريحته الأدبية والثقافية، في مختلف القضايا والشؤون الاجتماعية والثقافية. وكأن الممثل الراحل قد استطاع تفريغ تلك الشجون وذاك الهم الاجتماعي في تلك المقابلات ومعها لفت أنظار من لم يدركه من الجيل الحالي، فكان أن تعرف عليه من لا يعرفه وظهر كمثقف سعودي وكفنان معطل وهذا ما ذكرته سابقاً حين كتبت عنه قبل رحيله رحمه الله تعالى. وفي رأيي إنه لو قدر الله له ولغيره من الفنانين - لكن حديثي هنا عنه رحمه الله - أن يجد مسرحاً نشطاً وفعالاً لدينا، مسرحاً لم يتوقف خلال العقود الأربعة الماضية فيتعطل ذاك الحس الفني والثقافي للهويريني وزملائه الآخرين، لما وجدنا مسحة الحزن تلك في ثنايا نفسه وذاك الإحباط ، والذين لديهم حس مرهف وثقافة واسعة يصاب بعضهم بالسخط الصامت من مظاهر الخلل هنا وهناك، دون قدرة على إيصال أصواتهم كما يريدون.
وبالطبع لا بد من الإشارة هنا إلى العودة التدريجية للمسرح السعودي وإنشاء جمعيته، التي نتمنى معها عودة مسرح يحمل الهم الاجتماعي ويشكل شعلة ثقافية ورافداً للتوعية ورفع الحس الاجتماعي، حتى لا نخسر أمثال الراحل علي الهويريني الذي ظهر بعد غياب وكأنه أراد إلقاء تحية الوداع مع نظرة عتاب لا تخفى في عينيه رحمه الله تعالى. كثيرون هم الذين لا تعرف قيمتهم إلا بعد رحيلهم، فمثل الراحل يعد وجهاً ثقافياً وفنياً وطنياً كان يجب إفادته والإفادة منه وتكريمه في حياته، رحم الله علي الهويريني المثقف الفنان وأسكنه الجنة وإياكم ووالديكم.