عبده الأسمري
أقام في «معالي « الشرف واستقام في «علالي « الفخر.. امتلأت عيناه بالحسنى وتعبأت نفسه بالسكينة وتشربت أحاسيسه الطمأنينة وانتشت أنفاسه «الروحانية « وهو يكتب «خطوط « القرآن الكريم وينال «حظوظ « البيان العظيم..
اكتسبت «أنامله « الانفراد في تشكيل «أغلى « المداد لتحظى بثمن « التتويج « الرباني وتنال ثمار «الأريج» البياني.
امتثل نظره خلال «عقود « لمهمة « الاعتزاز « الأولى وأذعن فكره عبر سنين لهمة «الإنجاز « المثلى في «كتابة « المصحف الشريف فكان «خير « المكرمين بالثناء و»كبير « المحظوظين بالدعاء في متون «خدمة « الإسلام وفي شؤون «نفع « المسلمين..
من بين آيات «الذكر» ووسط قراءات «السور « وأمام حروف «الأجزاء « وحول تشكيل المفردات ومعاني «الإعجاز « ونهايات «العبر « رسم «لوحة « الوحي بـ»حرفية « السعي و»مثالية « الوعي بين ثنايا «عبادة « ووسط عطايا «ريادة « وفي «اعتكاف « فريد ظل فيه «الفاعل « المرفوع بالمهمة والضمير «المتصل « بالأثر و»الاسم « الموصول بالتقدير ليكون «المستثنى « المكتوب على «أغلى « كتب الأرض و»أثمن « معارف الكون.
إنه خطاط المصحف الشريف الشيخ عثمان طه عميد الخطاطين في العالم الإسلامي.
بوجه وقور يشع منه «بياض « التقى وينبع فيه «وقار « الزهد وملامح «شامية « معتقة بالأصالة تعكس «أصول» المولد وتبرز «فصول « النشأة وتقاسيم محفوفة بالمحاسن في الإنصات والاستماع وعينين واسعتين تلمعان حين «التأثير « وتدمعان حيث «التأثر « وشخصية تعتمر «الزي « الوطني المشفوع بفخرية «المهنة « والمسجوع بشرفية «الحرفة « وصوت هادئ تتخلله عبارات «التدين « وتتوسطه «اعتبارات « اليقين « وبكف « طاهرة « و»أنامل « باهرة تخضبت بالعز قضى عثمان طه من عمره عقوداً وهو يكتب آيات القرآن الكريم بالخطوط الاحترافية المدروسة ويقضي جل حياته في تشكيل «المصحف الشريف « وإخراج «نسخ « الفرقان العظيم بحلة «باهية « وطلة «زاهية « وكتابة « فاخرة « وأناقة «مكتوبة « تليق بالبيان الإلهي الفريد مرسلاً للعالم أجمع «أنموذجاً « من «العلا « المهني و»مثالاً « من «الاحتفاء « الحرفي.
في ريف حلب الماكث في قلب الشام «العدية « ولد عام 1352 وسمي تيمناً بجامع «الوحي « سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ونشأ وسط أسرة متدينة تقية نقية وتفتحت عيناه على «اتجاهات « الالتزام وأبعاد « المهام « في حضرة أب نبيل زاهد كان يعمل أماماً وخطيباً وشيخاً لكتاب بلدته وأم عطوفة من خيرة «سيدات « جيلها فنشأ محاطاً برعاية «الأسرة « مناطاً بعناية «العائلة «..
ركض عثمان طفلاً يراقب والده وجمعاً من خطاطي «عشيرته « وهم يتدارسون خطوط «الرقعة « و»الثلث « و»الكوفي « و»النسخ « و»الديواني « فتشربت نفسه «إضاءات « الخط باكراً وتعتقت روحه بإمضاءات «الحظ « مبكراً فدرس على يد أبيه «أولى « خطوات « الاحتراف « ونسج من تفاصيل بيئته «الجاذبة « خيوط «البدايات « التي شكلت له «خرائط « الاتجاه نحو «المستقبل « وظل يتردد على «محافل « الخطاطين متأبطاً أوراقة المنوعة وأقلامه «الملونة « التي بدأ بها تشكيل «لوحات « الأمنيات بمداد « الدوافع « وسداد «المنافع «.
كان والده حريصاً على تعليمه وحرفيته في آن واحد مما شكل لدى «عثمان « «امتناناً « دائماً و»عرفاناً « مستديماً كان يوظفه في «شهادات « تفوق يهديها لوالديه في ختام كل عام دراسي لتزين جدران «المنزل « المكتظ بالألفة والمشهور بالتآلف.
درس عثمان طه التعليم العام في مدارس حلب الشهيرة بزف الناجحين إلى مرابع «العلم « وكان طوال دراسته محباً للكتابة شغوفاً بالخط ملازماً للنبلاء مقترناً بالفضلاء مما شكل في ذهنيته «البوادر « المثلى لصناعة «الاقتدار « المقترن بالمواظبة و»الاعتبار « المقرون بالانضباط..
التحق طه بجامعة دمشق العريقة وحصل منها على درجة «الليسانس « في التربية الإسلامية عام 1383 ثم نال الدبلوم العام في التربية عام 1384.
تتلمذ الشيخ عثمان على يد خطاط الشام محمد الديراني وتعلم منه الخط الفارسي والثلث واجتمع مع خطاط العراق هاشم البغدادي ودرس معه مهارات مختلفة ثم حصل على إجازة حسن الخط من شيخ الخطاطين في العالم الإسلامي خالد الأمدي عام 1392 وعين عضواً في هيئة التحكيم الدولية لمسابقة الخط العربي وقد درس الرسم والزخرفة على يد سامي برهان ونعيم إسماعيل.
كتب عثمان طه أول مصحف عام 1390 لوزارة الأوقاف السورية ثم تعين خطاطاً في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف عام 1408.
وخلال فترة زاخرة بالعطاء فاخرة بالأداء كتب عثمان طه المصحف الشريف أكثر من 15 مرة وطبع منها أكثر من 200 مليون نسخة وزعت في كل أنحاء العالم وقد اشتهر بأسلوبه «الفريد « وبصمته « الاحترافية « في كتابة المصاحف حيث تخلّص من التركيبات الخطية التي كانت تُعيق الضبط الصحيح واستبعد أشكال بعض الأحرف من خط النسخ تفادياً لالتباسها بحروفٍ أخرى مشابهة لها واعتمد على أسلوب تبسيط الكلمة والإتقان في توزيع الكلمات في السطر الواحد بحيث ينتهي كما بدأ دون تزاحم الكلمات في النهاية وذلك من أجل أن تظهر الصفحة متناسقة تماماً وتنتهي بنهاية إحدى الآيات.
وفي شهر جمادى الأولى من العام الجاري 1443 صدر أمر كريم بمنحه الجنسية السعودية تقديراً لمسيرته الحافلة بالمآثر وسيرته الرافلة بالإثراء..
ما بين معاني خوف ورجاء وإذعان واطمئنان وترهيب وترغيب وأوامر ونواهي وابتهال وانتهال وآيات محكمات وأخر متشابهات يقضي عثمان طه أكثر من ثلاث سنوات وهو يخط نسخة «القرآن الكريم « الواحدة مولياً قبلة «خبرته « شطر الإتقان موجها بوصلة «حرفته « نحو الإجادة.. ليكتب «أقدس « حديث ويوثق «أثمن « حدث في رحاب «السمو» الديني وحضور الارتقاء الدنيوي.
عثمان طه عميد الخطاطين وسيد الحرفيين وشيخ المهنيين المستحق للوفاء والحقيق بالاحتفاء.