عبده الأسمري
كل زمن يمضي ويتشكل وفق منظومة ثلاثية ترتهن للماضي وترتكز على الحاضر وتمضي إلى المستقبل.. ويبقى الإنسان خلالها «العنصر» الفاعل لصناعة العطاء في المجتمع و»الرقم» الأول في صياغة الانتماء للمنجز.. لذا فإن «البشر» هم الرهان «الحقيقي» للتقدم أو التأخر والبرهان الواقعي للحضارة أو التخلف..
تمر المجتمعات منذ خلق الإنسان بمنعطفات متعددة يسمو فيها «العلم» ليشكل وجه «الإنجاز» الذي يعلو بقامة «الشعوب» ويرتقي بقيمة «السكان»، فمن عمق الاختراعات والابتكارات إلى أفق المنجزات والمبادرات سادت دول وتميزت جامعات وطغت أحداث.. وظل الحديث عن «الإبداع» العلمي و»التميز» المعرفي لغة يقرأها العالم أجمع رغماً عن سيادة «القوى» العسكرية وعن سلطنة «الأنظمة» القيادية..
التاريخ «ثابت» وأرقامه «حقيقة» لا تقبل «التعديل» ولا تتقبل «التأويل»، فالمسلمون الأوائل الذي كانوا «الإشعاع» الأول في العلوم والمعارف صنعوا للعالم مسارات من «العيش» من خلال اختراعاتهم في الطب والهندسة والفلك والفيزياء والرياضيات والكيمياء، في حين أقامت ممالك «الفرس» و»التتار» و»الصليبين» حملاتهم للقضاء على «الأدمغة» قبل البشر، وظلوا قروناً وهم ينظمون «حملات» التنصير ومؤامرات الاغتيال للسيطرة على العقول، وقد سرقت من العرب إبان الحروب الصليبية «مئات» الكتب وأتلفت «عشرات» المجلدات سعياً لتبديد العلم وتضييع المعرفة وإشاعة «الجهل» من جديد إلى أجيال قادمة حتى يطفئوا «نور» المعارف الذي يشكل «الضياء» الحقيقي التي تسود به المجتمعات وتعتلي به البشرية وتزهق به الأباطيل..
كانت مرحلة ارتداد عظيمة أثرت بعد ذلك في «استعمار» مؤلم سرق «الآثار» وصادر «المعادن» وأغتال «العباقرة» وجند «الجواسيس» وبدد «التلاحم»، وبات العربي الساذج مرابطاً على ضوء «الأجندات» الباهتة التي وضعها «المستعمر» لحرق العديد من العقول..
في قواميس الخلافات وفي عناوين العداوة بين الحق والباطل لا يجد المعتدي أو الحاقد قوة أعظم من تمتع «المسلمين» وتماسك «العرب» بركنين قويين قوامها «الأخلاق» ومقامها «القيم»، فظلت المعارك العلنية واضحة ومكشوفة ومعلنة وتنتهك حقوق الإنسان وتخالف الأعراف والقوانين والمبادئ الدولية، لذا ظلت الحرب الخفية ضد «المبادئ» واشتدت وباتت شرسة ضد كل «سلوك» قويم لتصنع «مكائد» «السقوط» وتجهز «مصائد» الخسائر مع كل جيل سقطت أولى ضحاياه في دوائر «الانهزام».
مع ثورة التقنية استغل أعداء الأخلاق والقيم التنامي «الكبير» نحو وسائل الجذب الإليكتروني ورأوا أن هنالك فروقات كبيرة وتباينات شاسعة بين الأفكار بين العالم الغربي والإسلامي، وأن هنالك توريثًا «مستديمًا» للمعاني السامية والراقية في الحفاظ على «قيمة» الإنسان، وأن هنالك التزامًا وتمسكاً عظيمًا بالمبادئ التربوية والأصول الأسرية والتي جبلت وتربت عليها أجيال تعي جيداً بالحقوق والواجبات وتشربت منذ الصغر «الحياء» و»الحشمة» و»العفة»، لذا وجهت «سهام» المعارك وأطلقت «أعيرة» المسالك نحو «الأسرة» لتبديد تلك اللحمة الاجتماعية والنفسية والدينية إلى «عناصر» متفرقة متضادة في السلوك ومتعاكسة في المسلك ومتخالفة في الهدف ومتباعدة في المبدأ.
رأينا في هذا الزمن من يسيء للدين والعقيدة من الجنسين، وشاهدنا من وقع في وحل «الإلحاد»، وكثير يرون أن «التطور» في تقليعات «غربية» وهندام بائس يثير السخرية.. في إساءة واضحة للذوق العام وفي تشويه بصري يسيء للذائقة البشرية.. وفوق كل ذلك يتحدث بتمتمات لغوية أجنبية وهو لا يعلم «معناها» ولا «محتواها»، ولو فتشت في سيرته الدراسية لوجدته «راسبًا» أو «متسربًا»، ولو وضعته في ميزان «مستقبلي» ليكون «موظفاً» اصطدمت بالمستحيل من «الهيئة» و»الثقافة» و»الأسلوب» و»المنظر» العام!!
نحن قادمون من «ماضٍ» كان أجمل في كثير من جوانبه، وقابعون في «حاضر» يجثم على الذات من «هول» الصدمات ومن «بؤس» الثقافات، وسائرون حتماً عبر «ثلاثية» زمنية حتمية إلى مستقبل محفوف بالتنبوءات ومحاط بالتكهنات والتي يتجه معظمها إلى «السوء» ما لم يتم وضع خطة «إنقاذ» عاجلة تتشارك فيها الأسر والمدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني وخطباء الجوامع مع ضرورة إيقاع العقوبات وفرض الغرامات على كل من يلغي ماضينا ويسيء لحاضرنا ويتربص بمستقبلنا مع أهمية أن يتم وضع «قوانين» و»أنظمة» تعاقب «المتورطين» في الإساءة للأخلاق و»المدانين» بالتعدي على القيم..
الجميع على ثغرة والكل في خندق واحد، والبطولة لمن ظفر بالنصح والرجولة لمن فاز بالتصحيح والجولة لكل غيور على دينه ووطنه وأخلاقه وقيمه وحاضره ومستقبله والعبرة بالنتائج والاعتبار بجني الثمار والاقتدار بمحاسبة المخطئين في كل الاتجاهات.