أشارك القراء قصة واقعية لطفلة في الخامسة عشرة من عمرها لها أحلام وردية كبيرة. كانت تذهب إلى مكتبة الملك عبدالعزيز النسائية في الرياض من الرابعة عصراً وحتى الثامنة مساء تقريباً كل يوم في الإجازات الصيفية. وفي أول زيارة لها للمكتبة حدثت قصة غيّرت مسار حياتها وتفكيرها.كانت تظن تلك الصغيرة أنه بما أنها الأولى على الصف في المدرسة يعني ذلك أن عليها أن تفهم في الكثير من العلوم. دخلت المكتبة منبهرة بكثرة الأقسام وتنوعها فهذا يرضي حبها للتعلّم. لاحظت مسميات في المكتبة لم تستوعبها في عقلها الصغير. هناك ممر كتب يضم مكاتب الباحثات وفي الناحية الأخرى كتب قسم الأطروحات العلمية. عيناها اتسعتا دهشة مسميات جديدة لا تعرفها (باحثات, أطروحات) ماذا يعني ذلك. بدأ معتقد أن الأولى على الصف ليس كل شيء لقد وجدت في المكتبة مسميات خارج نطاقها المعرفي. ذهبت مسرعة إلى غرفة الباحثات وكعادتها فيما يخص العلم والمعرفة أخذت تسأل بثقة وفضول معرفي. وجدت باحثة في المكتب وأمامها مجموعة من الكتب وشاشة كمبيوتر ودفتر ملاحظات. وقفت متسائلة هل تناديها (أبلة)؟ أم باحثة؟ كيف تبدأ الحوار؟ فكرت وقالت (أبلة الباحثة) أنا اسمي وفاء في الصف الثالث متوسط أنا الأولى على المدرسة لكن استغربت (في حاجات ما عرفتها في المكتبة, وشو يعني باحثة, وشو يعني أطروحة وبدأ صوتها يتغيّر, خنقتها عبراتها لأنها لم تفهم هذه المصطلحات, كانت تظن أن عليها أن تعرف كل شيء). وقفت الباحثة وأغلقت كتابها وحاسبوها وصافحتها وقالت لها أهلاً يا وفاء وأحضرت كرسي وقالت تفضلي لأشرح لك. ورسمت مسار ما بعد الثانوية من مراحل بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، وماذا يعني أطروحة وماذا يعني بحث. بعدها صمتت وفاء وقالت (وش يصير اسمي إذا درست دكتوراه وش الفرق بين الكتاب والأطروحة قالت لها الباحثة يصير اسمك أكاديمية. أما الفرق بين الكتاب والأطروحة فاذهبي إلى قسم الكتب والأطروحات العلمية وقارني لتعرفي الفرق. نظرت وفاء للباحثة بفرحة ودهشة، هناك معلومات جديدة حصلت عليها, وقالت شكراً لك وكانت الباحثة تنظر لتلك الصغيرة بنظرات إعجاب وابتسامة. ركضت وفاء في المكتبة لتوقفها مسؤولة المكتبة وقالت: لو سمحت ممنوع الجري في المكتبة لم تكن تعلم أنها تجري متلهفة لتعرف الفرق بين الأطروحة والكتاب. نظرت وفاء إلى مسؤولة المكتبة وقالت (طيب يا أبلة بس أنا مستعجلة شوية عندي حاجات أبغي أعرفها برعة)، وذهبت على عجالة وهي تكمل جريها. أخذت الكتاب وعرفت بعضاً من محتواه أما الأطروحة عندما فتحتها لم تفهم أي شيء. هناك كلمات غريبة منهجية بحث, نتائج, فصل النقاش, المراجع, عمليات حسابية رسومات ازدحام معلومات حتى إنها كانت جالسة على الأرض بين ممرات الكتب وتحاول فهم الأطروحة كانت عن الدراسات الأمنية من جامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية لباحث دكتوراه اسمه د. عبدالعزيز. ظلت تقرأ وتحاول الفهم لمدة أربع ساعات في نفس المكان ولم تنتبه للوقت حتى تم إعلان قرب إغلاق المكتبة وقرب موعد والدها لأخذها من المكتبة أقفلت الأطروحة وهي تبكي لأنها لم تفهم شيئاً من المكتوب وقالت في نفسها بثقة وقوة مع دموع غزيرة (أنا بَكْبر وبَكْتب أطروحة نفس هاذي وأحسن بعد), ومسحت دموعها وذهبت مسرعة مع درج المكتبة وقد تأخرت على والدها, ركبت السيارة وهي تفكر صامتة وظلت على مدى أيام تسرح وتفكر في تلك الأمنية متى ستستطيع ومتى ستتحقق. مرت السنوات وكبرت محدثتكم تلك الصغيرة الفضولية المتسائلة وكتبت أطروحتها للدكتوراه واجتازت المناقشة بتاريخ 20 يناير لعام 2022 من جامعة نوتنجهام في المملكة المتحدة ومع إعلان لجنة المناقشة اجتيازها المناقشة سرحت مبتسمة وقالت: تحققت أمنيات طفلة يوماً ما بكت لأنها لم تفهم مصطلح بحث وأطروحة.
ختاماً: لا تستهينوا بأحلام الطفولة وتفاعلوا مع تساؤلات من يسألكم باهتمام فقد تحدث بصمة على مستقبل أحدهم بسبب حسن تفاعلك وردك واهتمامك كما حدث مع تلك الصغيرة التي كبرت وكتبت لكم هذه التجربة الحقيقية.