مشعل الحارثي
ودعت الطائف في الأسبوع الماضي أحد معلميها القدامى وأدبائها الأوائل الأستاذ علي بن حسن بن عبدالله العبادي رحمه الله، وهو ممن كان لهم بصمتهم وإسهامهم في مجال التربية والتعليم في محافظة الطائف، ورفع مستوى الأدب بالمملكة من خلال رئاسته لنادي الطائف الأدبي منذ تأسيسه عام 1395هـ ولما يقارب (30) عاماً حتى عام 1427هـ بعد إعادة تشكيل مجلس إدارة النادي الجديدة.
ومنذ تلقيت خبر رحيله عن دنيانا الفانية تذكرت للراحل تلك القصيدة التي نشرت عام 1412هـ بعنوان على عتبة الخمسين التي يقول في مطلعها:
خمسون من عمري تنادي
وتقول حي على الرشاد
ولعل هذه الأوبة والوقوف لدى أكثر الشعراء ما إن تتخطى بهم سنوات العمر بأربعة أو خمسة عقود فما فوق تعد مرحلة لافتة في حياة الشعراء وتحتاج الكثير من الفحص والدرس لأنها تعد مرحلة تحول للكثير منهم ومرحلة تأمل ومراجعة ومحاسبة للنفس وصولاً لتلك القناعة والحقيقة المرة للحياة وللدنيا وأنها مجرد نقطة عبور وممر مهما تجملت بمغرياتها وزخرفها فسرعان ما ينكشف زيفها وخداعها وأحلامها الوردية الواهية فلا تلبث أن تستيقظ النفس من غفوتها وكبوتها وتعي تلك الحقيقة وتعود إلى مسارها الصحيح كما يصورها شاعرنا العبادي رحمه الله وغفر له وأحسن عاقبته في قصيدته تلك حيث يقول:
ما أنت يا دنيا سوى
زيف ومص للثماد
غالطت نفسي في الحسا
ب ونمت في لين المهاد
وبنيت آمالاً كباراً
في الوهاد وفي النجاد
وبكيت من نفسي رحمة
والنفس تأمر بالفساد
ونجوت منها حينما
قد أذعنت لي بانقياد
ومنذ عرفت الأستاذ علي العبادي كرئيس للنادي الأدبي وأنا أحرص على حضور أغلب مناشط النادي وفعالياته وقتما أكون متواجداً بالطائف، كما كنت أحرص على الالتقاء به أسبوعياً عندما آتي للطائف من جدة مقر عملي لقضاء إجازة نهاية الأسبوع مع والدي رحمه الله فأذهب بعد مغرب يوم الأربعاء للسلام على أستاذنا العبادي في مقر النادي الأدبي ويلتحق بنا كل من الأديب الأستاذ علي خضران القرني، والأديب والمؤرخ الأستاذ مناحي القثامي وتمضي بنا الساعات في حوارات ومناقشات أدبية ولغوية ونقدية يضفيها علينا الأستاذ علي العبادي بخبرته الواسعة وغزارة علمه وإلمامه الكبير بعلم اللغة وأوزان الشعر وعلم الاجتماع والأنساب، ولا يوقف تلك المناقشات إلا أذان صلاة العشاء حيث ينصرف الجميع لأداء الصلاة ومن ثم مغادرة النادي وبعد أن أكون قد ظفرت بشيء من العلم والمعرفة من أستاذ وأديب قدير.
وقد لا يعلم البعض أن الأستاذ علي العبادي من مواليد مكة المكرمة عام 1350هـ وبها عاش مرحلة الطفولة وتلقى تعليمه بدءا من مرحلة الكتاتيب إلى المدرسة الابتدائية بمكة فالمعهد العلمي حتى التحق بالتعليم كمدير لمدرسة الخرمة بالطائف منذ عام 1371هـ إلى عام 1377هـ، ثم انتقاله بعد ذلك مديراً لمدرسة الملك عبدالعزيز الابتدائية بتعليم الطائف وبها أكمل مسيرته حتى مرحلة التقاعد وبعد (41) سنة قضاها في سلك التعليم، وإلى جانب ذلك فكان من المؤسسين للنادي الأدبي ورئيساً له وشهد النادي خلال رئاسته له تنفيذ العشرات من المناشط والمحاضرات والأمسيات والملتقيات وطباعة عشرات الكتب للأدباء، وإقامة المسابقات لإثراء الحركة الأدبية وتشجيع الأدباء الناشئين، كما تمكنت إدارة النادي في عهده رحمه الله من ترشيد مصروفاتها السنوية حتى تمكنت من الحصول على مقر ثابت للنادي أقيمت به قاعة للمحاضرات ومكتبة ثرية بآلاف الكتب والمراجع.
والأستاذ العبادي بدأ تكوينه الثقافي والأدبي من خلال اهتمامه وحرصه على القراءة المتنوعة للكتب وما يصله وأقرانه آنذاك من مجلات ثقافية مصرية وعربية منذ دراسته الأولى بمكة المكرمة وفي المكتبات التجارية بباب السلام ومكتبة الحرم المكي، كما التقى العديد من كبار أدباء الحجاز الأوائل المقيمين بمكة المكرمة أمثال الشاعر حمزة شحاتة، وحسين سرحان، ومحمد سعيد العامودي، وإبراهيم الغزاوي، وحسين عبدالله سراج، والسيد أحمد العربي، وأحمد السباعي، ومحمد طاهر الكردي، والسيد محمد طاهر الدباغ، وطاهر زمخشري، والسيد علوي عباس مالكي، وأحمد أسد الله الكاظمي وغيرهم وكان يحضر مجالسهم الأدبية ويشارك في مناقشاتهم/ وله أيضاً صلته بأدباء مصر وكان يلتقي بهم عندما يسافر إلى مصر ويحضر الصوالين والمنديات الأدبية هناك سواء للسعوديين أو المصريين ومنها صالون العقاد، وقام بنشر المئات من القصائد والمقالات في الصحف والمجلات المحلية بدءاً من جريدة صوت الحجاز والندوة والمدينة والرياض وعكاظ والبلاد ومجلة المنهل، وأشرف على صفحة ندوة الأدب بجريدة الندوة لمدة سنتين، وصدر له عدد من المؤلفات القيمة منها كتاب نظرات في الأدب والتاريخ والأنساب، وكتاب شيء من شعري، وكتاب المحفوظات والأناشيد لبعض السنوات الدراسية، وكتابه العروضي ما هكذا يكتب الشعر في مجلدين.
ولا يسعني في الختام إلا أن أسأل المولى عز وجل للأستاذ علي العبادي واسع الرحمة والمغفرة وأن يجزيه عنا وعن أدباء البلاد خير الجزاء، وخالص العزاء والمواساة أقدمها لذوي الفقيد وأسرته من آل العبادي وفي مقدمتهم أبناؤه ورفيق مسيرته وشقيقه المربي الأستاذ حسن العبادي رائد الأنشطة الرياضية والحركة الكشفية بالطائف ولأدباء ومثقفي الطائف ومن عاصروا هذا العلم من أعلام ورموز الطائف، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.