أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: المراهنة على مصير المؤمن في هذه الحياة الدنيا إذا كان متمسكاً بالفضائل، وآخذاً بالمتع الروحية والعقلية مما: يكسبه الصحة النفسية والبدنية؛ وأما من سوى المؤمن بالله: فمصيره التحرر من الفضائل، وإباحة المحرمات، والجري وراء الملذات العابرة، والانخداع بالمجد الزائف الذي يرهق النفس والبدن؛ فالخسارة إذن على الملحد؛ وإذا آمنا بأن الله هو الحي القيوم ضمنا حياة أبدية، ونعيماً دائماً؛ وبحمد الله نحن مؤمنون بذلك، متبعون القول بالعمل؛ فلله الحمد والمنّة؛ وذهب (ابن الوزير اليمني) إلى أن إيمان الحيطة ينفع صاحبه يوم القيامة.
قال أبو عبدالرحمن: هذا إيمان الشاكين، والإيمان يقين ينافي الشك؛ وإنما أوردت هذه الدعوى تنزلاً في الاستدلال، وأنه لا مسوغ للإلحاد؛ لأن الإيمان راجح على كل حالٍ.. وحول ضرورة العقيدة النفسية قال الدكتور (هنري لنك): إنه عين مستشاراً في مصلحة تشغيل المتعطلين بـ (نيويورك)، ونيط به وضع الخطط ومراقبة الدراسات الإحصائية لعشرة آلاف نفسٍ أجري عليهم ما قدره (7326) اختباراً نفسياً؛ فكانت النتيجة أن كل من يعتنق ديناً، أو يتردد على دار العبادة يتمتع بشخصيةٍ أقوى وأفضل ممن لا دين له، ومن لا يزاول أي عبادة.. وقال: الدين ليس ملجأ الضعفاء، ولكنه سلاح الأقوياء؛ فهو وسيلة الحياة الباسلة التي تنهض بالإنسان؛ ليصير سيد بيئته، المسيطر عليها بخلاف فريستها الذي هو عبدها الخاضع.
قال أبو عبد الرحمن: كل ما مضى غربلة لمفهوم الألوهية في العقلية الغربية الحديثة، ومقارنات بين الإيمان والإلحاد تجلى فيها صدق هذه الكلمة لـ (فولتر).. قال: إذا كان أمام الفكرة في وجود الله عقبات: فإن في الفكرة المضادة حماقات؛ بيد أن الناشئة تحمست لحماقات الإلحاد دون أن تحاول تذليل العقبات؛ وهذه نكسة في المفاهيم والعقول.
قال أبو عبدالرحمن: لقد تمخضت مقارنتي عن أمورٍ هذا موجزها: أولها تناقض العقلية الغربية الخواجيةٍ في اعتبار العقل حجة في إنكار حقائق الدين، وعدم اعتباره حجة في الإثبات.. وثانيها أن حجة الملحد سلبية؛ لأنها عدم علم، وليست علماً بعدم.. وثالثها أن الحس ليس هو معيار الحقيقة.. ورابعها أنه لا يوجد ملحد مستيقن.. وخامسها أنه لا مقر لفكرة الإلحاد في النفوس؛ بل يحتمل أنه لا وجود لها في الواقع؛ لأن من ينفي وجود الله بصفات الكمال المطلق: يثبت غيره: ولكن المؤمن آمن بالله ذي الكمال المبرأ من كل نقصٍ وعيبٍ.. وسادسها أن للإيمان مرجحاتٍ؛ ولا مرجح للإلحاد ألبتة؛ بل للإلحاد آفاته وآثاره السيئة.. وسابعها أن العلم نصير الإيمان، وأما الإلحاد فليس سوى فكرةٍ اختطفها الغوغائية.. وثامنها أنه لا تكافؤ بين أدلة الإيمان وأدلة الإلحاد.. ومع التنزل في الاستدلال: فإن للإيمان مرجحاتٍ من الخارج؛ ولو احترم العقل الحديث منطقه: لآمن بأن الدليل العقلي على وجود الله سبحانه وتعالى بصفات الكمال المطلق: دليل مستمد من الحس ودلالته من باب اللزوم؛ وأقوى الأدلة ما كان من هذا الباب كما قرَّر ذلك الإمام (ابن تيمية) رحمه الله تعالى، وما ثبت به فهو قطعي؛ بيد أن الوضعية الحديثة لم تفرق بين الدليل وبين موضوعه.. ومن حججهم الزائفة في ردهم الدليل العقلي على إثبات وجود الله أن الله غير محسوس.
قال أبو عبد الرحمن: إن وجود الله ثبت باللزوم العقلي المنتزع من الحس، ومن المبادئ العقلية الفطرية؛ وهذا اللزوم: يعني وجود موجود واجب الوجود بنفسه؛ وهو غير محتاج إلى غيره؛ فكيف يتصور غير ذلك وكل من سواه فهم خلقه وعبيده وملكه.. ماضٍ فيهم حكمه، عدل فيهم قضاؤه؛ إذن كل من سواه محتاج إليه؛ فهذه وظيفة العقل، وأما الدليل الحسي أو العقلي على ماهية ذلك الموجود، وكيفيته، وتمثيلها للعيان: فهو مستحيل؛ لأن الله لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به العقول؛ ولا الظنون ؛ وهو محيط بمن سواه؛ فالعلم به سبحانه وتعالى علم بوجوده، وليس إحاطة به، ولا تلازم بين العلم بالوجود والإحاطة بالنفوس؛ ولله المثل الأعلى؛ ولو رأينا سفعة من زبلٍ، أو رملٍ، أو رمادٍ، أو قمامة متلبدة يخالف لونها لون الأرض: لكان ذلك دليلاً قاطعاً على أن أناساً حلّوا بهذا المكان وسودوه؛ وقد قيل: (إن البعرة تدل على البعير)؛ فنتيقن بأن أناساً حلًوا بهذا المكان؛ وهو دليل عقلي حسي قطعي؛ وهذا ما يطالب به جماعة الملحدين ومنكري دليل العقل؛ وأما صفة هؤلاء الناس، وتشخيص أنفسهم، وتمييزهم بقسماتهم وسحناتهم: فذلك أمر فات الحس والعيان؛ وموجز القول: أن الله سبحانه وتعالى: يؤمن به العقل، وتؤمن به فطرية العوام.. إلا أن إيمان العقل لا يحيط بكنهه؛ وإلى لقاءٍ قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
** **
(محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -