ميسون أبو بكر
تمخض عن كورونا تغيير في كل تفاصيل الحياة، ونتجت آثار كثيرة نشعرها اليوم وستظهر مستقبلا بشكل أوضح، لا أريد أن أكون سلبية وأحصر التغييرات والآثار على المعاناة التي عاشها العالم والآثار السلبية النفسية والاقتصادية والصحية والاجتماعية، لكنني وغيري نشعر أن لكورونا أيضا تبعات إيجابية وجدناها في تغييرات كثيرة في عاداتنا ودفء أجواء الأسرة وحميميتها التي توثقت بفضل الحجر والظروف التي فرضتها الظروف، كما أيضا في العادات الصحية والنظافة الشخصية والمطاعم وكل المرافق، كما الدروس المستفادة في مجالات متعددة، والثقة الكبيرة والامتنان الذي نشعر به تجاه حكومتنا التي أبدعت في التصدي بكل أجهزتها للمرض (الخبيث) كورونا بأفضل الإمكانيات التي لامست الإنسان في المملكة سواء المواطن أو المقيم.
سأتحدث على عجالة عن العودة للمدارس بعد فترة انقطاع عن الدرس في أجواء المدرسة وبرفقة الطلاب ووجها لوجه مع المعلمين وممارسة الأنشطة المختلفة التي أفضلها ويفضلها كثيرون عن التدريس عن بعد، والذي أثبت جدارة المؤسسة التعليمية في استخدام هذه التقنية وأبلى بها أبناؤنا وآباؤهم البلاء الحسن، والذي أثبت أن عجلة الحياة تدور رغم ما يواجهها من عراقيل، ومن نافذة مقالي هذا أوجه كلمة تقدير للمعلمين وأوفهم التبجيلا على ما قاموا به من جهد وقد أبدع بعضهم كما أظهرت المقاطع التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي باجتهادهم وتحويلهم الدراسة عن بعد لطرق ممتعة ظهر بها إخلاصهم وإمكاناتهم وطاقاتهم الخلاقة.
«العودة إلى تعليم أفضل» هو مقال لمعالي د.حسام زمان الذي أشار فيه إلى الحملة العالمية التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة- اليونيسيف- لعودة الدراسة الحضورية في المدارس وقد تزامنت مع بشائر عودة الطلاب في المملكة للمدارس حضوريا، ويشير د.حسام أن المدرسة ليست مكانا لتقديم الدروس فقط، والمعلمون ليسوا ملقنين للدروس وأن المدرسة لا يغني عنها شيء آخر وأنه لا بد من تحسين جودة التعليم بشكل مكثف وبدروس مستفادة من الجائحة التي تعاظم فيها التقدير اجتماعيا لدور المدرسة في حياة الأطفال.
المدرسة التي تخرجت منها إعلامية وشاعرة إضافة لشهادتي العلمية وأقصد أنها رعت مواهبي منذ وقت مبكر مع أسرتي الرائعة جنبا إلى جنب، تعلمت منها الانضباط والاحترام وجنيت كثيرا من الصداقات وأيضا حصلت على أمهات كثيرات هن معلمات فاضلات، هي الحياة التي أهلتني للجامعة ثم لجامعة الحياة الكبيرة، وهي التي أعطتني مساحة من الحياة تضاف لبيت أسرتي، كما علمتني تنوعا في الأفكار والعلاقات والنشاطات وأناقة في المظهر وعلمتني كيفية الاعتناء بنفسي خارج أسوار حضن أبي وأمي وإخوتي، وكم أشتهي وأتمنى أن تكون مثل هذه العواطف والمشاعر التي تحيط بي موجودة عند الأطفال والمراهقين، وألا تكون الإجازات عيدا وأعراسا كما نرى لدى البعض، بل استراحة صغيرة نشتاق بعدها العودة لبيتنا الثاني الذي نقضي فيه ثلث اليوم والذي لا بد أن نؤسس معه علاقة حميمة سنحصد من ذكرياتنا فيها الكثير مستقبلا.
من الضروري أن تكون العلاقة وثيقة بين الأب والأم مع المدرسة والمدرسين، فباعتقادي كورونا جعلتهم عن قرب مع دروس أبنائهم وفي فضاء التقنية مع المعلمين ولا بد أن تكون هناك بعد تلك التجربة لقاءات دورية لا تتغيب عنها الأسرة فالكل شركاء في جعل التلميذ ينشأ نشأ طيبا محاطا باهتمام أسرته ومدرسته كي لا تكون تلك القطيعة التي عاشها كثير من الآباء المهملين أو أولئك الذين لم تتح لهم الفرصة للتعرف على دورهم الحقيقي في العملية التعليمية المتكاملة.
سأرفق مع مقالي هذا عند نشره في فضاء تويتر مقطعا مسجلاً (فيديو) لآباء يتجمهرون يوميا صباحا ومساء في إحدى الدول الغربية على باب المدرسة التي أسكن قربها ليصحبوا أبناءهم دون وجود سائق أو خادمة وباصات تقوم بهذا الدور، والآباء على اختلاف مهنهم وأشغالهم إلا أنها متعتهم الحقيقية التي يقومون بها بروتين حميمي وعناية ومتابعة مذهلة، حيث لا يضيعون هذه الفرصة التي يعتبرونها جديرة بتوثيق علاقاتهم مع أبنائهم.
كل عام وطلبتنا الغاليين بخير ومعلمونا المبجلون بألف خير والأسرة التي تقوم بدورها العظيم بخير وخير.