د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** تآلف مع مادة «الجغرافيا» في الصف الثانوي الثالث فقط، ولم يكن من محبيها وإن استحقَّ علامةً كاملةً في أدائها، وحدث أن درَّسنا إياها معلمٌ جديد اسمُه -إن لم تخنْه ذاكرته-: محمد عبده (أردنيٌ أو فلسطينيّ) فاجتذب الفتى إليها، وقرّرَ التخصصَ بها في دراسته الجامعية مكملًا بتفوق مرحلة «البكالوريوس» و«الدبلوم العالي»، ثم انصرف عنها بعد ذلك.
** يثقُ بحبِّه للغة العربيةِ وتمكنه منها، لكنه قرّرَ - للتنوع - اختطاطَ دربٍ مختلفٍ عن درب والده -رحمه الله- الذي كان أحد أوائل خريجي كلية اللغة العربية في دفعتها الثامنة (عام 1385 هـ) وأستاذ النحو والبلاغة والأدب في معهدي حائل وعنيزة العلميين التابعين لجامعة الإمام، ولم يكتفِ بهذا بل أضاف النأيَ الوظيفيَّ؛ فاعتذر عن عدم الإعادة في الجامعة بالرغم من إصرار لجنة الترشيح والمقابلات على اختياره وعدم إعطائه إخلاءَ طرف، واضطراره إلى التوسط بأستاذه الدكتور عبدالله اليوسف الشبل -غفر الله له- لإعفائه، وكان أمينَ الجامعة آنذاك، ولم يكنْ لديه بديلٌ، موقنًا أن الخطوة الأولى تتطلبُ حريةَ القرار.
** جلس في البيتِ بوعيٍ دون سعيٍ؛ فلم يكن مستعجلاً على الخطوة التالية، لكنَّ غيرَه كان أكثرَ استعجالاً منه؛ فقد زاره صديقٌ وفيُّ وسأله عن بدائله الوظيفية فأجابه ألاَّ بديل لديه، وهنا فاجأه أنه استشار مسؤولاً في ديوان الخدمة المدنية وأخبره بمعدل صاحبكم المرتفع فأبلغه أن مثله يختار وظيفتَه كما يشاء، وطلب منه الصديق أن يفكرَ ويقرر ويبلغه بما يودّ.
** لا داعيَ لتفصيلِ ما جرى بعد ذلك فقد مضت الأمورُ رخاءً، وتعين بفضل الله ثم بجهود صديقه حيث شاء، ومكث أشهرًا في «مصلحة الإحصاءات العامة» ثم انتقل إلى «معهد الإدارة العامة» بعرضٍ من المعهد نفسِه، وله حكاية قد تجيء.
** نعودُ إلى الصديق الذي تخرج معه في الدفعة نفسِها ومن القسم عينِه ومبادرتِه الذاتية، وكذا المعطاؤون لا يحتاجون إلى وسومٍ أو تذكير، وكان آخر لقاء بينهما حين زار صاحبَكم في مكتبه بمعهد الإدارة ليُهديه نسخةً من رسالته للماجستير عن (واحة القطيف) التي أتبعها بإكمال درجة الدكتوراه والتدريس الجامعي، ثم فاجأه مرضٌ لم يمهله فرحل سريعًا عام 1421 هـ، رحمه الله.
** لا ينسى أنه استعاد بألم:
«الناسُ للموتِ كخيل الطرادْ
فالسابقُ السابقُ منها الجوادْ
والموتُ نقَّادٌ على كفهِ
جواهرٌ يختار منها الجياد»
** عزّاه «ابنُ النبيه 560- 619هـ» في أبيات نصِّه المُتداول، واستعاد المثل: «ما يموت إلا الطيِّب» لأنه يُفتقد، وإلا فكلنا ميتون، وبالنبلِ أجملِه رحل الإنسانُ الجوهرةُ الصديق الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الحُمَيدي، وما يزال ذكرُه عامرًا بين أصفيائه ومحبيه، وهذا هو الغُنمُ الحقيقيُّ من الدنيا، (والآخرةُ خيرٌ وأبقى).
** الذاكرةُ حبلى.
- - - - -
* من مقصورة ابن دريد 321 -223 هـ، وتكملتُه: فكن حديثًا حسنًا لمن وعى.