حمّاد بن حامد السالمي
«من مظاهر رقي المجتمعات وتمدنها؛ اهتمامها وعنايتها بروافد موروثاتها الشعبية، ومصادر ثقافتها العامة، لأن في كل ذلك؛ ربط تاريخي حضاري بين حاضر المجتمع وماضيه، وتمهيد الطرق أمام الأجيال القادمة؛ لمواصلة ما فيه رقيها ورفعتها. ومن هذه الروافد والمصادر التاريخية والحضارية التي تنتظم كافة المدن- وحتى القرى النامية- المكتبات عامة وخاصة، وكذلك المتاحف الشعبية، التي لا تخلو منها مدينة سعودية اليوم.. متاحف رسمية برعاية جهات حكومية؛ أو متاحف شخصية خاصة للكثير من الهواة والغيورين على موروثات مجتمعهم الكثيرة والمتنوعة.
«كتبت في يوم الأحد 31 يناير 2021م بصحيفة الجزيرة تحت هذا العنوان:
(المكتبات الخاصة.. في مركز تاريخ الطائف).. (https://jazirah.page.link/6ZKf)، وطالبت بحصر ورعاية المكتبات المنزلية الشهيرة، ودعم وتشجيع أصحابها، لما لها من دور تنويري عظيم في حياة الأسرة والمجتمع، فكم من كتاب صدر عنها، وكم من كاتب اشتهر وظهر منها، ذلك أنها الباقي اليوم من المظاهر المكتبية بعد انسحاب تدريجي للكتاب الورقي والمكتبات العامة. وقد سرني أن اهتم مركز تاريخ الطائف بهذا الطرح، الذي وجد عناية خاصة كذلك من قبل دارة الملك عبد العزيز وجامعة الطائف، ولعل كل هذا يُترجم في برنامج عملي في مقبل الأيام.
«يوجد في الطائف المدينة والمحافظة- مثلما هو موجود في مناطق ومحافظات أخرى- روافد ومصادر ثقافية وتراثية كبيرة ومهمة، في الإمكان الالتفات لها وإحياؤها تاريخيًا وثقافيًا وشعبيًا، ووضعها على خط الاستثمار المعرفي السياحي بكل جدارة. الطائف المدينة والمحافظة التي أتحدث عنها هنا؛ كانت لها أسبقيات وريادات لم تتوفر في غيرها من المحافظات والمدن في تلك الفترة، منذ عهد المؤسس (الملك عبد العزيز آل سعود) طيب الله ثراه. الطائف كانت المقر الأول والرسمي للجيش السعودي بكل فروعه، وفيها تأسست مدرسة الموسيقى العسكرية. أسسها عميد الموسيقى العربية والسعودية الفنان (طارق عبد الحكيم) رحمه الله؛ في أوائل السبعينيات الهجرية من القرن الفارط، ولها أسبقيات أخرى في التعليم والكشافة والموسيقى والفنون الشعبية والطربية وغيرها. هذا التاريخ الحضاري الثقافي على كافة مستوياته؛ يتوجب إحياؤه وإبرازه اليوم من خلال متاحف تاريخية شعبية، وأن نستفيد من القصور التاريخية الجميلة في الطائف، لتتحول إلى مقرات لهذه المتاحف، مثلما هو قصر شبرا التاريخي مقر للمتحف الإقليمي. نحن بحاجة إلى متحف عسكري يتبناه مركز تاريخ الطائف ممثلًا للدارة وكذلك الجامعة؛ بالتعاون مع المنطقة العسكرية، التي سوف ترحب بهذا العمل الجيد دون شك، وأن يُختار له مقر في إحدى القلاع العسكرية أو مقار الجيش القديمة. وبالمثل؛ نحتاج إلى متحف تعليمي يرصد بدايات التعليم من المدرسة السعودية.. أول مدرسة سعودية بالطائف عام 1345هـ، ثم دار التوحيد الفريدة في وقتها إلى يومنا هذا، والكشافة، ونحتاج إلى متحف فني للموسيقى والغناء والفنون الشعبية والتشكيلية. أدواتها وآلاتها ومراحل تطورها ورموزها منذ أيام الفنان الشريف هاشم إلى يوم الناس هذا.
«ثم نأتي إلى الجوانب الإدارية والمهنية التي عرفتها الطائف منذ 1343هـ. زراعية وخدمية ورعوية وغيرها. ونصل إلى مطلب مهم للغاية؛ وهو يتعلق بعمل البريد وبداياته في الطائف، منذ أن كان في زقاق البريد من شمالي مسجد الهادي، إلى أن نُقل في بداية الثمانينيات الهجرية إلى مبنى حكومي بشارع البريد قبالة السليمانية، لينتقل في بداية 1400هـ إلى شارع التلفزيون في الشهداء الجنوبية، ثم يستقر أخيرًا في مبنى حكومي ثانٍ على طريق المطار بحي الفيصلية. مبنى البريد بشارع البريد الذي هو اليوم شارع ابن عباس؛ هو من الشواهد الباقية لهذه الخدمة التواصلية المهمة وقتها، من لا سلكي وبرقيات وبريد وهاتف آلي ونحوها، وهو الباقي على حاله من كثير من المباني الإدارية حكومية أو أهلية في الطائف التاريخية. لعلنا نسارع إلى المحافظة عليه، وتحويله إلى متحف للبريد؛ يضم في جنباته أدوات وآلات ووسائط توزيع البريد، وصور تاريخية غاية في الأهمية.
«وفي موضوع المتاحف كذلك؛ لا ننسى أن في المجتمع رجال يملكون حسًا وطنيًا يُضرب به وبهم المثل، فنحن نعرف أسماء شهيرة في الطائف تخدم تاريخ مجتمعها بجمع المقتنيات التاريخية والتراثية والشعبية، وحفظها وعرضها لمحبي التراث، كما هو الحال في متحف (عبد المحسن الحارثي) في وادي القَلْت، ومتحف (علي بن ملبس الشريف) في أم السباع، ومتحف (سالم القحطاني) بجوار حديقة الملك عبد الله بالنسيم، ومتحف (خلف الله القرشي) بحي المذاكير، وغيرهم كثير. ومن يشهد حراج المقتنيات كل يوم سبت قبالة مسجد ابن عباس بحي فوق يرى العجب العُجاب، مما يُعرض من كنوز لها قيمتها المعرفية.. أثرية وتراثية وتاريخية. ننتظر من وزارة الثقافة بهيئاتها المعنية، وكذلك دارة الملك عبد العزيز من خلال مركز الطائف، وجامعة الطائف الراعية لهذا المركز.. ننتظر المبادرة إلى العناية بهذه الجوانب الثقافية والتراثية، التي تلبي حاجة المجتمع اليوم وفي كل يوم.
«من المواقف التي لا تُنسى- مما له صلة بموضوعنا هذا- أني كنت صحبة الشاعر الأديب (عبد الله بن محمد بن خميس) رحمه الله؛ وهو يزور قصر شبرا التاريخي إبان افتتاح المتحف الإقليمي به صائفة العام 1409هـ. يومها.. وبعد أن أتم جولته؛ كتب بخطه في سجل الزيارات هذين البيتين؛ الذين أوردتهما فيما بعد في الموسوعة الشعرية: (الشوق الطائف حول قطر الطائف 667/ج2)، حيث قال:
في قصر شبرة؛ آثار وأخبارُ
وفيه من واقع التاريخ أسرار
إنا أتيناه زوارًا على عجلٍ
فاستكمِل الفن والآثار والدار