في رده على استفسار صحفي «بلومبيرغ» العام 2018 حول صحة ما قاله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأن المملكة (لن تبقى لأسبوعين دون الولايات المتحدة)، أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن: «السعودية كانت موجودة قبل الولايات المتحدة الأمريكية»، في إشارة واضحة إلى تاريخ تأسيس المملكة، وعمرها الذي تجاوز ثلاثة قرون، وقدرتها، بتوفيق الله، ثم بعزيمة قادتها وشعبها، على البقاء والاستمرارية، ومواجهة المخاطر الكبرى، الخارجية منها والداخلية.
لم تكن الدولة السعودية من الدول الطارئة، أو تلك التي تشكلت بقوة الاستعمار الأجنبي، بل كانت دائمًا في مواجهة مع الدول العظمى المسيطرة على المنطقة، والتي كانت ترى في وجودها خطرًا يهدد بقاءها واستمرار سيطرتها على الشعوب والدول. خلال ثلاثة قرون نجحت الدولة السعودية في تجاوز التحديات الدولية والداخلية، وتمكن أئمتها وملوكها من تحقيق التواصل بين الحقب الثلاث، التي تشكل من خلالها تاريخها العريق، بفضل الله أولاً ثم برؤية قادتها، والتلاحم بينهم وبين الشعب الذي أدرك مبكرًا، أن العزة والقوة والمنعة في الاجتماع على القيادة، والتحصن بمنظومة الدولة الحديثة التي جمعت شتات الأمة، وعالجت مشكلاتها، ونقلتها من الفرقة والنزاعات إلى الأمن والسلام والاستقرار واجتماع الكلمة تحت راية التوحيد، والدولة السعودية. لم تخلُ مراحل البناء الثلاث من التحديات الكبرى، والتضحيات، والأرواح التي بذلت للوصول إلى حلم الدولة المستقرة، والقوية، القادرة على تحقيق طموحات قادتها وشعبها، وخدمة الإسلام والمسلمين. وعلى الرغم من تربص القوى العظمى بالدولة الفتية، إلا أنها استطاعت النهوض من كل كبوة، وتجاوز العراقيل التي وضعت في طريقها من أعداء الخارج، وفق رؤية جمعت بين القوة والإحسان وسلامة البناء وترسيخ الأمن وتنمية الإنسان والمكان.
تاريخ عريق، وملحمة بناء روتها الأجيال، وتعلقت بها القلوب، حتى جاء الأمر الملكي الكريم لتوثيق مرحلة التأسيس، والاحتفاء بها، وكتابة التاريخ لضمان استدامته، وحمايته من التحريف أو النسيان. كيف لا، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حامل لواء تاريخ الدولة، والجزيرة العربية والملم بتفاصيلها، والقائم على توثيق أهم أحداثها بطريقة علمية ومنهجية دقيقة.
من فضل الله على هذه البلاد أن جعلها حرة أبية يتوارث قادتها وشعبها المجد والاستمرارية بتوفيق الله وحمايته، وفق مبادئ سامية وعقيدة راسخة حافظت عليها منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا. كما أن هذا التاريخ المجيد يؤكد على جذورها الراسخة ورؤيتها الإسلامية التي أسهمت في جمع القبائل المتناحرة في دولة واحدة وتحت راية الإسلام، ومنذ بداياتها وهي تقوم على مشروع وحدوي واضح.
من المهم ترسيخ المناسبات الوطنية المهمة، وأعتقد أن يوم التأسيس من أهم المناسبات التاريخية التي تستوجب التوثيق والفخر والاحتفاء بها وترسيخ ذكراها في الحاضر والمستقبل كامتداد تاريخي ذي جذور ممتدة عبر التاريخ الطويل.
ومن حق أبناء هذا الوطن أن يفخروا ويفرحوا بتاريخهم وأن يكون الاحتفاء بهذا اليوم إجازة رسمية لجميع الطلاب والطالبات وقطاعات الدولة، وبما يؤكد أهمية المناسبة الوطنية وتعزيزها في النفوس.
ذكرى «يوم التأسيس» هو تأكيد على الاهتمام بتاريخها الذي يُعد القاعدة الراسخة لحاضرها ومستقبلها. تأخذ منها العبر والدروس وتمضي شامخة -بتوفيق الله- نحو المستقبل الزاهر.
ونحن نحتفي بيوم التأسيس، نحتفل أيضًا بما وصلت إليه المملكة من تقدم وازدهار واقتصاد متين. ونحتفي بالرؤية المباركة التي أطلقها سمو ولي العهد، وباركها خادم الحرمين الشريفين وانبثقت عنها مشروعات التطوير والمشروعات الكبرى التي ستسهم في تنويع مصادر الاقتصاد والدخل، وستعيد بناء الاقتصاد على أسس متينة وتنوع مستدام -بإذن الله-، وستسهم في صناعة المستقبل استدامة الدولة وازدهارها.
أجزم أن سر استدامة الدولة السعودية، هو توفيق الله أولاً، ثم التلاحم بين القيادة والشعب، وحرص قادتها على العمل بشرع الله -عز وجل-، وترسيخ جهودهم لخدمة الوطن ورفعته وبنائه، واستثمار مقوماته لتنميته وبناء اقتصاده ورفعة شعبه، فكل ما تقوم به الدولة موجه لخدمة شعبها الذي يعتبر محور التنمية. إضافة إلى اهتمام قادتها بترسيخ الأمن والاستقرار، وتوثيق علاقاتها مع الجميع، وبما يحقق أمنها واستقرارها وأمن المنطقة وازدهارها.
** **
- فضل بن سعد البوعينين