د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لعلهما أكبرُ خصمين في المشهد الثقافي المعاصر، وما يزال خلافُهما يُذكَى بغيرهما بعد رحيلهما، والمفارقةُ أنهما تُوفيا في عام واحد، وبفاصل شهرين فقط، مع أن الدكتور عبدالصبور شاهين ولد عام 1929 م والدكتور نصر حامد أبو زيد ولد عام 1943م، ويشاء الله أن يغادر أبو زيد في الخامس من شهر يوليو «تموز» عام 2010 م، ويلحق به شاهين في 26 سبتمبر «أيلول» من العام نفسه.
** ماتا ولم يصطلحا، وبقي مؤيدوهما حتى اليوم مختلفين، ولكلٍ روايتُه ورؤيته، وسيظلُّ الجدلُ ممتدًا بامتدادات الحوار حول القرآن الكريم منذ الأزل حتى الأجل مما يطول الحديث حوله، وقد يُنبِّهُ المُجدّفين إلى التأني قبل الخوض في آياته وسُوره «تفسيرًا وتأويلًا»؛ فهو عصيٌ منيعٌ أمام تناوله بما يمسُّ قدسيتَه مهما ارتدت من ألبسة العلمية والموضوعية.
** خلال الأعوام المئة الأخيرة تكاثرت الدراسات حوله من غير الاختصاصيين، ودار معظمُها حول عدِّه كتابًا بشريًا قابلًا للدراسة المنهجية وتحويلِه إلى نصٍ ثقافيٍ يمكنُ تفكيكُه تحت مسمياتٍ متعددةٍ من لدن تشكيك الدكتور طه حسين بقصة سيدينا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في كتابه عن (الشعر الجاهلي)، وادّعاءِ أسطرة قصصه وفق أطروحة الدكتور محمد أحمد خلف الله «الملغاة» مُسندًا من أستاذه ومشرفه الشيخ أمين الخولي الذي أُبعد عن تدريس القرآن الكريم بعدها، وإصرار الدكتور نصر أبو زيد على التحرر من سلطة النص القرآني في حقل التفسير، ومتابعة مريده الأستاذ جمال عمر صاحب كتاب: أنا نصر أبو زيد، ومقدمة عن توتر القرآن، ولا نقف عند نظريات الدكتور علي مبروك في «نصوص حول القرآن.. في السعي وراء القرآن الحيّ»، وغيرها وغيرهم، وهي نماذجُ سريعةٌ في المقلب الآخرِ الذي استأثر به القرآن الكريم من باحثين غيرِ متخصصين في علوم الشريعة.
** نعودُ إلى جدلية (أبو زيد - شاهين)؛ فما يزال بعض محبي «أبو زيد» مقتنعين أن تحريض شاهين هو السبب فيما آل إليه مصير صاحبهم، فيما يؤكّد محبو شاهين، وشاهين نفسُه أن الصِّحافة أسهمت بنقل التحكيم العلميِّ المجرد إلى الفضاء العام، ولو لم يجرِ هذا لاكتُفيَ بعدم ترقيةِ «أبو زيد»، ويَعْزُون رفض أبحاثه بدءًا إلى مُحكِّمها الأول الدكتور شوقي ضيف، رحم الله الجميع.
** هنا درسٌ آخرُ عن خطورةِ الشعبوية عندما تتداخل في قضايا تخصصية، وأهميةِ نأي الوسائط عن الإدلاج فيما يصعبُ على العامةِ فهمُه أو تفهمُه، عدا ضرورة التثبت في النقل، والتمهل في الأحكام، وتخفيف الركض خلف عناوين جاذبةٍ انتصارًا لحرية الرأي؛ فالموضوعُ في أصله تحكيمٌ علميٌ يُؤخذ منه ويُردُّ عليه.
** يسيطرُ الإعلامُ المندلقُ، حيث لكلٍ منصتُه، على التوجه والتوجيه بما يمثلُ إضعافًا للحق وتمويهًا للحقيقة، ولو كانا هَجِّيرى الجميع لتخلصنا من لجاجٍ مقلقٍ، وحجاجٍ مؤرق.
** التبيُّنُ بيان.