مها محمد الشريف
صورة نعلقها على جدار الوطن في تلك المسيرة الطويلة من مدينة الدرعية العاصمة الأولى التي ما زالت تحتفظ بكل ملامحها وقوامها، رغم مرور الأزمنة عليها، عريقة بأرضها وإنسانها وبقيت ضمن مفهوم أمانة الإنسان تجاه ظروفه، لذا وجد الناس أصالة فكرية حقيقية، التي يشهد عليها رصيده الثقافي الغني جداً، بعدما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- أمراً ملكياً باعتماد يوم 22 فبراير من كل عام إجازة رسمية، للاحتفاء بتأسيس الدولة السعودية، باسم «يوم التأسيس»، وذلك باعتبار أن منتصف عام 1139هـ، الموافق لشهر فبراير من عام 1727، هو بدء عهد الإمام محمد بن سعود، وهو اليوم الذي أعلن فيه الإمام محمد تأسيس الدولة السعودية الأولى.
فإن الحقائق تشكل النقاط البالغة الأهمية التي تربط الماضي بالحاضر، وتضعها داخل القصص التي يحكيها التاريخ، فالمملكة العربية السعودية من أقدم الحضارات التي كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية، وبلاد تجارة وحضارة، فمن المؤكد أن الجمع بين التاريخ والجغرافية وحصونها وقلاعها وعمقها وجذورها راسخ في أرض الأمجاد، ومن خلال هذا التاريخ العظيم نعود إلى الماضي كحضارة ومكانة دولية وتأثيرها الإيجابي الداعم لاستقرار اقتصاد العالم، وكيف عززت استقرار شبه الجزيرة العربية من إنجازات ضخمة ومواقف بطولية، إلى أن توحدت وتأسست البلاد.
والأكثر إثارة عندما تدرك إمكانات فردية حقيقية لأبطال هذا التاريخ المجيد الذي يسير وفق حلول مبدعة، وهذا هو المكان والزمان المناسبان لمناقشة طبيعة الواقع المادي الذي هيأ السبل لخدمة المسلمين والمشاعر المقدسة والدعم الإنساني العالمي، فقد كان عالماً مختلفاً يصنع الارتباطات من منطقة تقع بين الماضي والحاضر، ومحوراً يربط ثلاث قارات.
لقد بدأ تاريخ المملكة مع تأسيس بلدة «الدرعية» وسط نجد، على يدي الجد الثاني عشر للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ الأمير مانع بن ربيعة المريدي عام 1446م، ثم في منتصف عام 1139م أسس الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية، معلناً بداية الدولة السعودية الأولى حتى عام 1818م، وهي ارتباطية تنمو وتصبح شخصية، تصدرت الأحداث في جميع مراحل الحياة، معتمداً على القرآن الكريم، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- دستوراً للإمارة، وتميز تفرده في واقع ضبابي مبهم المعالم، ولكن استطاع أن يساهم بإرساء الأمن والاستقرار في أغلب أرجاء الجزيرة العربية، بعد قرون صعبة من الفوضى وعدم الاستقرار، حتى سقوطها على يد الجيوش العثمانية.
ويمكن تسمية هذه الفترة الزمنية بالوجه القبيح للحضارة العثمانية الذين ارتكبوا المعاصي وكثيراً من المظالم والمذابح والاستبداد، فلم تمضِ سوى سبع سنوات على انتهاء الدولة السعودية الأولى حتى تمكّن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1824م من استعادتها وتأسيس الدولة الثانية التي استمرت إلى عام 1891م، فالكون ميدان يحقق فيه الإنسان شخصه ليصل إلى أهدافه وغاياته.
وبعد عشر سنوات عاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1902م إلى الرياض، ليؤسس الدولة السعودية الثالثة، ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية عام 1932م، ثم حمل الراية من بعده أبناؤه الملوك -رحمهم الله-، واستمروا في تعزيز وحدة المملكة ومسيرة تنميتها والإبقاء على هدفها الروحي وتحقيقه داخل المجتمع، حيث ولد الحاضر على يد رجاله البواسل كونه يعتبر تحولاً مستمراً بما تقدمه الحياة من جديد.