زكية إبراهيم الحجي
سألتني كيف تبدئين صباحك فقلت: من طقوسي المعتادة كل صباح الاستمتاع برشفات من رفيقة المزاج السمراء المدللة.. قالت: ما دلالة رمزك لها بالسمراء المدللة.. قلت: هي معشوقة وساحرة الجماهير العالمية بكل تفاصيلها.. رائحتها ولونها ومذاقها المتمازج مع الأنفاس والمشاعر.. هي أيقونة الصباح والمساء وسيدة الوحدة ورفيقة المزاج والقلم والكتاب.. القهوة التي استهوى سحرها أفئدة الشعوب بطبقاتهم ومستوياتهم كافة وباتت وسيلة التلاقي والتجمعات في المنازل والنوادي والمقاهي والصالونات الأدبية والثقافية وفي لقاءات العشاق والمحبين وكأن لسان حالها يقول:
أنا المحبوبة السمراء وأُسقى بالفناجين
وعود الهند لي عطرٌ وذكري شاع في الصين
مع كل رشفة نحتسيها من القهوة ثمة حكاية وحكاية تحكي قصة هذا المشروب الذي سحر الناس وبات طقساً من طقوسهم اليومية الملهمة لهم فما السر الذي يكمن في تفاصيل هذا المشروب.. وكيف انتقلت من مكان إلى مكان وملأت الدنيا وشغلت الناس وباتت رمزاً من رموز الكرم والضيافة؟
تعددت القصص والحكايات حول مكان اكتشاف القهوة منها ما ارتبط بالأسطورة ومنها ما امتزج بالخرافة لكن الشهادات التاريخية تشير بأن أول فنجان قهوة في التاريخ يعود إلى القرن السادس عشر وتكاد تُجمع غالبية المصادر التاريخية على أن الفضل في اكتشافها يعود إلى العرب والطريف في أمر اكتشافها أن الصدفة لعبت دوراً عجيباً في ذلك.. فبينما كان أحد رعاة اليمن يسرح بقطيع أغنامه في أعلى سفوح جبال بلاد الحبشة لاحظ أن أغنامه تثب بصورة غير طبيعية مما أثار فضوله فاقترب منها فوجدها تقتات ثمار شجرة غير معروفة فاكتشف بعد تجربة أوراقها بأن ما تأكله الأغنام هو أوراق شجرة البن ومن ثم كانت وجهتها إلى بلاد العالم ويسجل التاريخ أن البرتغاليين الذين حاولوا الاستيلاء على ساحل اليمن خلال القرن العاشر الهجري هم أول شعوب الدول الأوروبية تذوقاً للقهوة وذلك عندما استضافهم أحد شيوخ اليمن وقدم لهم قهوة سمراء دافئة ومنعشة ومنذ ذلك الوقت انتشرت القهوة في دول أوروبا كافة وباتت مشروباً لا يُستغنى عنه تتعاطاه شعوب العالم في بداية صباح كل يوم.. والمدهش حقاً ارتباط القهوة بالإبداع والمبدعين من شعراء وأدباء وفنانين ويبدو أن فنجان القهوة لديهم ما هو إلا صورة ساحرة من الإبداع في كتابة النصوص الأدبية والشعرية فالشاعر الأمريكي «أليوت» ملهمته القهوة حيث يقول «أقيس عمري بعدد ملاعق القهوة» أما عبقري الموسيقى «بيتهوفن» فله طريقة غريبة فقد كان يحمل حبوب البن ويضع في الإناء ستين حبة لكل فنجان قهوة يعدها بالتمام والكمال.. مع ذلك يبقى ما كتبه الشاعر محمود درويش عن القهوة هو الأجمل.. نص يطالب فيه بهدنة لمدة خمس دقائق كي يعد فيها فنجان قهوته وذلك أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982.