ميسون أبو بكر
وأنا جالسة في مقهى أنيق في الريفيرا الفرنسية عرفت أنه لشاب لبناني جعل من المكان امتدادا للمقاهي اللبنانية الأنيقة مخالفا لنمط المقاهي الفرنسية البسيطة التي ترصف شوارع المدينة التي تكتظ بها، استوقفتني الحديقة المقابلة للمقهى والمباني العريقة والشارع المسمى باسم المغنية الفرنسية السمراء EDITH PIATH والتي لقبت بالعصفورة الصغيرة، هي مؤلفة أغان، كذلك كان للمؤرخ والشاعر الفرنسي جاك بورجيه أثر في توجيهها في الفنون الأدبية.
الشاب اللبناني الذي جاء يسأل عن العلا السعودية ويتحدث عن السعودية الجديدة التي أذهلته بما يرى من مقاطع فيديو وأخبار متلفزة وكذلك مقاطع ترويجية بالفرنسية هزت كلماته نخلات روحي ووجدتني أسري بروحي للصحراء الملهمة وأحدثه بشغف عن مواقع في المملكة متعددة زرتها خلال رحلات عملي وتصوير مشاهد في مناطق أثرية وتاريخية منذ وقت مبكر أصبحت الآن بلا قيود ولا أسوار ولا خطوط حمراء، صارت بوصلة لعشاق التاريخ وقراءة الحضارات وزيارة الأماكن التاريخية.
تخيلت لو في كل منطقة في المملكة استحضر شاعر أو مؤرخ أو باسم أولئك الذين مروا بها تاركين عطرهم وعبق رحلاتهم مخطوطة بذكرياتهم ممزوجة بقصصهم لامتلأت خارطة الأرض بعظماء وقصص لا آخر لها.
الذين عبروا الصحراء ناجين بأرواحهم في الماضي سموها مفازة أملا بالنجاة خطوا أجمل ما يمكن أن يقال عنها وعن أهلها وسكان مناطقها، ولا زالت قصص الرحالة محمد أسد كمثال أستحضره تقرع كنبراس في ذاكرتي كلما تخيلت الأماكن التي مر بها والتي لو شيدنا في كل مكان قلعة أو استراحة لكان لكل منها أنشودة يشدو بها العابرون منها وإليها.
الصحراء الملهمة حضرت في المخيلة كنخلة عبدالرحمن الداخل التي أستذكرها في أبياته المشهورة كلما رأيت ما يشبهها في أرض لا تشبه بساتين الذاكرة، وعند الشارع الذي حمل اسم محبوبة الجماهير الفرنسية LA MOME PIAF كاتبة الأغنية الشهيرة الحياة وردية ( ( LA VIE EN ROSE ) يمر عطر صوت محمد عبده الأيقونة السعودية الخالدة وابتسام لطفي وطلال مداح وآخرون، فسلام على موطئ الروح ومسرى الذاكرة.