تعدّ مسرحيّة حفلة على الخازوق للكاتب المصريّ محفوظ عبد الرحمن من المسرحيّات السياسيّة التي قدّمها مسرح الخليج في الكويت في أواخر عام 1975م، وأخرجها مسرحيّا، ومثّل فيها المخرج الكبير صقر الرشود - رحمه الله - (1)، ونقلها إلى التلفاز المخرج فيصل الضاحي.
الذي يهمّنا من هذه المسرحية الفصل الثالث الذي ظهر فيه المتصندقون، وهم من الأعلى سكنًا في الصندوق الفنّان عبد الله الحبيل الذي لعب دور النجّار صانع الصناديق الأربعة، ثمّ في الصندوق الذي تحته الفنّان خالد العبيد الذي لعب دور رئيس الشرطة، ثمّ في الصندوق الذي تحته الفنّان إبراهيم الصلّال الذي لعب دور المحتسب، ثمّ في الصندوق الأسفل والأخير الفنّان سليمان الياسين - رحمه الله - الذي لعب دور الوزير.
والذي حدا بي إلى كتابة هذا المقال أنّي شاهدتُ حوارًا مع أبي عبد اللطيف الفنّان خالد العبيد - حفظه الله - في برنامج على السيف الذي عُرِضَ على قناة atv في الخامس من يناير لعام 2021م قال فيه ردًّا على سؤال المذيع الدكتور طالب الشريف: إنّ مشهد الصناديق في مسرحيّة (حفلة على الخازوق) كانت فكرتُه من ابتداع المخرج الراحل صقر الرشود - رحمه الله - ولم يكن هذا المشهد في نصّ المسرحيّة التي كتبها محفوظ عبد الرحمن (2).
وقد حاولت الحصول على النصّ المكتوب لمسرحيّة (حفلة على الخازوق) لمحفوظ عبد الرحمن؛ للتأكد أمشهد الصناديق موجود فيها أم لا؟، ولم أفلح في الحصول على نسخةٍ منها.
وكنتُ قد قرأتُ قبل أشهر مضت كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة)، وهو من أصول كتاب ألف ليلة وليلة، فوجدت فيه حكايةً عنوانُها: (انتقام المرأة من عُشّاقها الخمسة)، وهي كبيرة الشبه فيما جاء في الفصل الثالث الخاصّ بمشهد الصناديق في المسرحيّة الممثَّلة (حفلة على الخازوق)، ولولا طول القصّة لنقلتُها كاملة، ولكن يحسن بي أن أنقل أهمّ نقاط الاتفاق، والاختلاف بين ما ورد في نصّ حكاية انتقام المرأة، ومشهد الصناديق في المسرحيّة الممثّلة:
أهمّ نقاط الاتفاق:
النقطة الأولى: حبس الحبيب في الحكاية، وفي المسرحيّة الممثّلة.
النقطة الثانية: حرص العاشقة في الحكاية، والمسرحيّة الممثّلة على إنقاذ حبيبها من السجن، وذلك بحديثها عنه مع المسؤولين.
النقطة الثالثة: ذهاب بعض مسؤولي الدولة آنذاك، والنجّار الذي صنع الصناديق إلى بيت العاشقة؛ لظنّهم أنّهم يستطيعون قضاء وطرهم معها.
النقطة الرابعة: ادّعاء العاشقة أنّ الذي يطرق الباب عند وجود المسؤولين في بيتها هو زوجها.
أمّا أهمّ نقاط الاختلاف فهي:
النقطة الأولى: في المسرحيّة الممثّلة، عدد القادمين إلى منزل العاشقة أربعة هم: النجار، والوزير، ورئيس الشرطة، والمحتسب. وفي الحكاية، عدد القادمين إلى منزل العاشقة خمسة هم: النجّار، والوالي، والقاضي، والوزير، والسلطان.
النقطة الثانية: في المسرحية الممثّلة عدد الصناديق أربعة، وفي الحكاية عدد الصناديق خمسة.
النقطة الثالثة: في المسرحية الممثّلة الذي اكتشف وجود المسؤولين في الصناديق هو الوالي الذي لعب دوره صقر الرشود - رحمه الله -، وفي الحكاية الذي اكتشف وجودهم هو صاحب الدار (زوج العاشقة) (3).
هذه أبرز نقاط الاتفاق، والاختلاف بين القصتين، وهذا يدلّ على وحدة الأصل الذي استقيتْ منه القصّة، والسؤال المهمّ كيف دارت فكرة الصناديق بخلد المخرج المبدع صقر الرشود - رحمة الله -؟ وهل اطّلع صقر الرشود على حكاية (انتقام امرأة من عشّاقها الخمسة) الواردة في كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) التي جاءت فيها فكرة الصناديق؛ لغرض حبس المسؤولين فيها؟ وهل يكون تواردُ الخواطر - لو قيل به - متطابقًا إلى هذا الحدّ الكبير؟ أثناء بحثي عن أصل هذي القصّة في (حكايات ألف ليلة وليلة) التي يبدو أنّ محفوظ عبد الرحمن قد أخذ فكرة مسرحيته منها، لم أجد إشارة إلى هذه القصّة، ولكن توجد الإشارة إلى فكرة تشبه فكرة الصناديق في إحدى مخطوطات ألف ليلة وليلة، وهي مخطوطة ورتلي - مونتاجو في قصّة (كلبص المهرّج، وزوجته، وعشّاقها الأربعة) (4)، والنصّ الذي وردت فيه الفكرة المشابهة لفكرة الصناديق هو «أجبر أحد الملوك مهرّج البلاط على الزواج من إحدى النساء، وعندما خرج زوجها، التقت المرأة بأربعة من عشّاقها السابقين الذين أخفتهم في خزانة واحدًا بعد الآخر، وعاد المهرّج إلى المنزل، وابتكر العشّاق حيلة لإنقاذ حياتهم...» (5). ليس في قصّة المهرّج هذه كبير تشابه مع ما ورد في المسرحيّة الممثّلة (حفلة على الخازوق) إلا في عدد العشّاق الأربعة، وفكرة الخزانة التي تشبه فكرة الصناديق مع شيء من الاختلاف، فالصناديق في المسرحيّة الممثّلة بعضها فوق بعض، أمّا في حكاية المهرّج فإنّ المسؤولين قد حُبِسُوا واحدًا بعد الآخر. وقد راجعت الفصل الثامن من دراسة سهير القلماوي حول ألف ليلة وليلة الذي يخصّ الحالات الأربع لصورة المرأة في الليالي، فلم أظفر بشيء حول هذه القصّة مع أنّها تحدّثت عن دور المرأة العاشقة (6)، وعن دور كيد النساء (7) في ألف ليلة وليلة، وهذان المضمونان: المرأة العاشقة، وكيد النساء مظنّة لورود مثل هذه الحكاية التي من أبرز سماتها الحبّ، والمكيدة.
والذي أنتهي إليه أنّ أقرب شيء يمكن قبوله - من وجهة نظري - في قصّة الصناديق في المسرحية الممثَّلة (حفلة على الخازوق) هو أنّ خيال المخرج المبدع صقر الرشود - رحمه الله - قد قاده إلى هذه الفكرة التي قصد من ورائها تصوير فساد السلطة آنذاك في الشخصيّات السياسيّة المتراتبة في المكانة الوظيفيّة التي ساعدت فكرة الصناديق في تصنيفها الطبقيّ، والتي بدأت من الصندوق الأعلى بالأقلّ مكانةً وهو النجّار، وانتهت في الصندوق الأسفل، بالأعلى مكانةً وهو الوزير. وأيضاً يصعب عليّ من الناحية التاريخيّة تصوّر اطّلاع صقر الرشود - رحمه الله - على كتاب (مخاطبات الوزراء السبعة) الذي طبع في 2019م، وقد توفّي صقر الرشود - رحمه الله - قبل ذلك بكثير في 1978:12:25م.
ومن يعرف العبقريّة المتفرّدة التي تميّز بها صقر الرشود - رحمه الله - في الكتابة، والإخراج، والتمثيل لا يستبعد أبدًا أن تخطر بباله فكرة مشهد الصناديق.
الحواشي:
(1) للاستزادة حول شيء من جهود صقر الرشود - رحمه الله - انظر: الراعي، عليّ، المسرح في الوطن العربيّ، عالم المعرفة، الكويت، الطبعة الثانية، ربيع الآخر 1420هـ / أغسطس 1999م، رقم العدد: 248، ص 357 - ص 373.
(2) انظر لقاء الفنّان خالد العبيد على هذا الرابط: https://youtu.be/PS5Dp8CdlVI من 37:13 إلى 38:26.
(3) انظر: مسرحية حفلة على الخازوق (الفصل الثالث) الممثّلة من مسرح الخليج على هذا الرابط: https://youtu.be/_8utYOMS_A8 من 1:42:22 إلى 2:16:08، وانظر: مخاطبات الوزراء السبعة الترجمة العربيّة لكتاب سندبادنامة من أصول ألف ليلة وليلة، تحقيق وتقديم: سعيد الغانمي، منشورات الجمل، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2019م، ص 111 - ص 119.
(4) انظر: مارزوف أولريش وليفن ريتشارد فان، موسوعة ألف ليلة وليلة أو الليالي العربيّة، ترجمة: السيّد إمام، المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2018م، جـ 1، ص 306.
(5) مارزوف أولريش وليفن ريتشارد فان، موسوعة ألف ليلة وليلة أو الليالي العربيّة، ترجمة: السيّد إمام، المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2018م، جـ 1، ص 306.
(6) انظر: القلماوي، سهير، ألف ليلة وليلة: دراسة، معهد الشارقة للتراث، أبو ظبي، الإمارات العربيّة المتّحدة، الطبعة الأولى، 1441هـ / 2019م، ص 438 - 447.
(7) انظر: القلماوي، سهير، ألف ليلة وليلة: دراسة، معهد الشارقة للتراث، أبو ظبي، الإمارات العربيّة المتّحدة، الطبعة الأولى، 1441هـ / 2019م، ص 447 - ص 454.
** **
- د. فهد بن عبد الله الخلف