«الجزيرة» - المحليات:
أصدر المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة» بالرياض تقريره الإستراتيجي السنوي السادس لعام 2021م، في 204 صفحات، وهو الإصدار المتواصل منذ خمسة أعوام، إذ صدرت نسخته الأولى في ديسمبر 2016م.
ودرج التقرير على أن يأتي موثقًا بالمعلومات والإحصاءات، ومدعمًا بالجداول والرسوم التوضيحية، والرصد والاستقراء والتحليل.
ويُلاحَظ في هذا التقرير اتساع الرؤية الجديدة تبعًا لاتساع دوائر الاهتمام وقضايا التناول.
واستعرض تقرير 2021م المتغيرات في البيئة الدولية، في إطار الصراع الأمريكي- الصيني، بالإضافة إلى احتفاظ القوى الأوروبية بمكانتها في النظام الدولي من منطلق تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، فيما عرج على تداعيات جائحة كورونا على مستوى النظام الدولي وقواه الدولية والإقليمية، وتبعاته المقرونة بنقص في توفير إمدادات الطاقة وارتفاع أسعارها.
وسلّط التقرير الضوء على كامل المشهد، الذي أحاطت به الأحداث في الشرق الأوسط نتيجة تغيُّر الإدارة الأمريكية، وتبنّيها سياسات جديدة، ألقت بظلالها على المشهد الإقليمي.
كما أشار إلى انحسار تنظيم «داعش» في العراق وسوريا وشبه جزيرة سيناء في مصر، والمغرب العربي، ومحاولات تمدّده في إفريقيا.
وجاء التقرير كاشفًا لما يدور في إيران وتفاعلاتها الداخلية وعَلاقاتها مع الدول العربية والمجتمع الدولي.
فأيديولوجيًّا، أوضح استمرار النظام الإيراني في تعزيز شرعيته الداخلية عبر توظيف الدين واستغلال الفتوى لمواجهة دعوات مقاطعة الانتخابات، وإسقاط خصومه من المعارضة.
واجتماعيًّا، أبان تضاعف مؤشرات الفقر وتعرض إيران لعدد من موجات فيروس كورونا، وارتفاع مؤشر المخاطر الاجتماعية الأخرى.
واقتصاديًّا، كشف التقرير عن استمرار الأداء الاقتصادي السيئ، مع تحسن محدود بفعل زيادة مبيعات النفط للصين ونموّ التجارة الخارجية.
أما عسكريًّا، فقد أوضح التقرير مواصلة سعي إيران للحصول على التقنيات والمعدات العسكرية عبر القرصنة والسوق السوداء من أجل دعم عقيدتها في «الدفاع الأمامي».
وحلّل التقرير في الشأن العربي مسار العَلاقات الخليجية - الإيرانية الذي اتسم بمقارباتٍ لنزع فتيل التوتر في المنطقة، والسعي الخليجي لتقديم نيات حسنة تجاه إيران، فيما عرج على تطوّرات الأزمة اليمنية، وما شهدته من تصعيدٍ حوثي على محافظة مأرب وتقديم إيران دعمًا عسكريًّا كبيرًا للحوثيين.
وعلى الساحة العراقية، تناول التقرير جمود النفوذ الإيراني على الأصعدة العسكرية والاقتصادية والثقافية، فيما شهد على الصعيد السياسي تراجعًا كبيرًا بدا في الانتخابات الأخيرة.
وفي سوريا، استعرض التقرير التطوّرات السياسية التي طالت الوجود الإيراني ودوره النافذ، مرورًا بلبنان، مستعرضًا الملف الحكومي وملف الوقود، ودور إيران وذراعها «حزب الله» في كلا الملفين.
أمّا في الشأن الدولي، فقد تناول التقرير ما أحدثته إدارة جو بايدن من تحول جذري في عَلاقة الولايات المتحدة بإيران، باستناد إستراتيجيتها إلى الدبلوماسية من أجل إحياء الاتفاق النووي، وتخفيف حدة التوترات بين إيران ودول المنطقة. كما ناقش التعاون الروسي- الإيراني، ودعم موسكو طهران في مفاوضات البرنامج النووي، مطالبةً برفع العقوبات الأمريكية عنها.
ونوه التقرير بمرور العَلاقات الإيرانية- الأوروبية بتجاذبات حول القضية النووية، والضغط على إيران في مجالات حقوق الإنسان والإرهاب.
وحلّل التقرير وقوف الصين خلف إيران في خضمّ الاتفاق النووي، واستمرار دعمها لها في الصناعة النووية، وتعميق التعاون بتوقيع «وثيقة التعاون الإستراتيجي»، وانضمام طهران إلى «منظمة شنغهاي للتعاون»، والمساعدة في توفير لقاح كورونا.
وأشار إلى تقاطعات العَلاقات بين إيران والصين، مع عَلاقات الأخيرة بالسعودية وإسرائيل وأفغانستان.
وأبان التقرير مرور العَلاقات الإيرانية- التركية عبر قضايا تزايد حدّة التنافس في الساحة العراقية، وبروز التعاون النسبي بين الطرفين ضد إشكالية اللاجئين الأفغان، وتصادم الرؤى وتعارض المصالح في الساحة الأذربيجانية.
كما تطرَّق إلى تفاعلات العَلاقات الإيرانية- الباكستانية، التي تأثرت بالتطوّرات التي شهدتها كلّ من أفغانستان وأذربيجان. وكذلك سعي إيران للتعامل مع الوقائع الإستراتيجية الناشئة عن وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا بوساطة روسية، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة «طالبان» إلى الحكم وما طرأ من تغييرات جوهرية إلى المشهد السياسي.
وختم التقرير باستشراف التطوّرات المتوقعة في 2022م والأعوام القادمة، نتيجة للمستجدات التي برزت في 2021م، فإنَّ أبرز التأثيرات التي توقَّع التقرير الإستراتيجي حدوثها في 2022م هي زيادة وتيرة التفاعلات الداخلية في إيران وعَلاقاتها مع الدول العربية والمجتمع الدولي، ودخول المفاوضات حول الاتفاق النووي مرحلتها النهائية، مع تركيز أطراف التفاوض على عودة طهران لاحترام كامل التزاماتها النووية، ما سيضع إيران على حافة اتخاذ قرارات صعبة، أملًا في رفع العقوبات، التي ستنعكس بدورها على مدى مواصلة الصين تمليك إيران قدرات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، وتقاطعها مع مصالحها الأخرى في المنطقة.
كما توقع التقرير أنّه سواء خفضت إيران تقديرات ميزانيتها العسكرية ومخصصاتها أو رفعتها في حال حدوث انفراجة في محادثات فيينا، فإنها ستواجه صعوبات كبيرة في جبهات القتال في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
كما أنَّ تعقيدات المشهد الإقليمي باستيلاء «طالبان» على الحكم قد يعرّض إيران لتهديدات ومخاطر، وللوجود المؤثر للمنافسين الإقليميين في أفغانستان.