خالد بن حمد المالك
أعلن سعد الحريري عن تعليق مشاركته في الحياة السياسية في لبنان، وقال إن تيار المستقبل الذي يتولى رئاسته لن يشارك في الانتخابات النيابية، وهو جرس إنذار على أن خصوصية الشريحة السُّنِّية في الانتخابات القادمة يكتنفها الغموض، وأنها ستكون بلا تنظيم أو مرجعية خاصة بها، ما يعني أن الفئات السنية ستتقدم -ربما- إلى الانتخابات كأفراد لا كمجموعة متحدة في التوجهات.
* *
هذا ليس هو الموضوع، مع ما يمثله قرار الحريري من تداعيات وآثار جانبية على مستوى الفئة السُّنِّية، أو الشاملة على مستوى الدولة، خصوصاً في هذه المرحلة التي يعاني فيها لبنان من أزمات حادة في كل شيء دون وجود صوت عاقل، وممارسة صحيحة، وعمل يتجه نحو خدمة لبنان، لا مجموعة من أمراء الحرب.
* *
ما أقصده وما يتمناه اللبنانيون الشرفاء، وما أطرحه في هذا المقال، -وإن كان من باب التمنيات- هو أن تحاكي بقية الأحزاب سعد الحريري في قراره، فينسحب الزعماء المخربون في الأحزاب اللبنانية، وتتحول أحزابهم إلى أحزاب مدنية، لا عسكرية، وتعمل لصالح لبنان، بلا مرجعية لها مع إيران، ومن غير ممارسات تهدد مستقبل الدولة اللبنانية.
* *
فماذا لو أقدمت هذه الأحزاب بالتخلص من أمراء الحرب، هؤلاء الذين أضروا بلبنان وبالشعب اللبناني، أعني أليس من مصلحة لبنان أن يتم التخلص من حسن نصر الله وجبران باسيل وغيرهما، للوصول إلى حرية كاملة في اختيار الشعب ممثليه سواء في المجلس النيابي، أو في الحكومة، أو عند اختيار رئيس الدولة؟ مع أن هؤلاء لن يقبلوا حتى بتحييدهم، أقصد أنهم لن يقبلوا بنزع السلاح، وكشف مصادر أموالهم، وجعل كل الأحزاب مدنية، لأن هذا يقلل من نفوذهم ومن علاقاتهم الخارجية المشبوهة.
* *
بدليل أن وزير خارجية لبنان سارع وهو في طريقه إلى الكويت لحضور الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب إلى القول بأنه لم يأت إلى الكويت للإعلان عن نزع سلاح حزب الله، وكأنه يقول إننا عاجزون عن منع حزب الله من امتلاك ترسانته من الأسلحة التي تفوق ما يمتلكه الجيش والأمن اللبنانيان، وهو ما يجعل تخلي زعماء الأحزاب اللبنانية المشبوهة عن مواقعهم ومواقفهم لصالح لبنان خيار غير وارد.
* *
فلبنان أصبح مجموعة دويلات، والرئيس ومجلس الوزراء ومجلس النواب لا يحكمون، والكلمة العليا هي لحزب لله، والويل لمن يصرح أو يقول بما يخالف هذا الواقع، والدليل تصريح وزير الخارجية اللبناني الذي أخذ به الإذن والموافقة -ربما!!- من الرئيس عون والرئيس ميقاتي قبل أن تقلع به طائرته إلى الكويت، وحتى لا نظلم الوزير نقول إن ذلك تم بالتوافق مع الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء، وبأمر من حزب الله، وتحديدًا من حسن نصر الله.
* *
الأوراق مكشوفة، ويعلمها القاصي والداني، من اللبنانيين وغير اللبنانيين، ومن ينكر هذه الحقيقة من اللبنانيين فهو شريكٌ في هذا الفساد، وهو جزءٌ من المؤامرة على لبنان، وهو ثالثًا مؤيدٌ لإرهاب حزب الله الذي قتل الكثير من المواطنين، وفجَّر عددًا من الأعيان المدنية، دون أن يجد من يحاسبه، وبينها مرفأ لبنان، الذي ما إن بدأ التحقيق وشعر حسن نصر الله بقرب إدانته بوصفه من كان وراء هذه الجريمة حتى طالب بتغيير القاضي العدلي، وحين لم تتحقق رغبته، قاطع حزبه وحزب أمل اجتماعات مجلس الوزراء، وعطلا بذلك أي قرار يصدر عن المجلس، ما لم تتم الاستجابة لطلب الثنائي الشيعي المكون من حزب الله وشريكه حزب أمل.
* *
أنا لا أتصور أن يحذو أي حزب حذو سعد الحريري، فينسحب من الانتخابات النيابية القادمة، ولا أعتقد أن المسلمين السُّنَّة قادرون على تنظيم صفوفهم، أو عدم الاستسلام للأحزاب الأخرى أمام الإغراءات التي ستتوالى عليهم، وخاصة من حزب الله، والتيار الوطني الحر، ما يجعل الوضع في لبنان من (حفرة لدحديرة)، وإن حاول الرئيس عون بزيارته لمقر الفتوى، وحديثه الكاذب والمنافق عن حرصه على التكوين السُّنِّي، وأنه لا غنى للبنان عنه، وعن مشاركته في الحياة السياسية، كمن يذر الرماد في العيون.
* *
انسحاب سعد الحريري لم يكن له من ردود فعل بين المسلمين السُّنَّة في لبنان، فهو قبل انسحابه لم يكن ضابط إجماع، وصانع قوة، والمسلمون السُّنَّة يحتاجون إلى زعيم لهم، يطالب بحقوقهم، ويمنع تهميشهم، وأن يكون دورهم حماية لبنان من المتآمرين عليه، سواء من إيران، أو من وكلائها من اللبنانيين، كما كان هذا تاريخهم، ودورهم، وعملهم، وربما كشفت الأيام المقبلة إما عن تماسك المسلمين السُّنَّة، أو تشرذمهم لصالح إيران ووكلائها في لبنان الجريح.