عبدالرحمن الحبيب
«ضع جانبًا كل خيالاتك المثالية حول حل أكبر أزمة في العالم [المناخ]، وإليك ما تبقى». هذا ما كتبه ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد وأحد أشهر كُتاب مجلة فورين بوليسي. والت وضع ما اسماه «الدليل الواقعي لحل تغير المناخ»، وهنا نستعرض أهم ما جاء فيه.
يعتقد كبار الخبراء في العالم بالاعتماد على مئات الدراسات العلمية الدقيقة أن الاحترار العالمي سيجر على كوكبنا عواقب وخيمة؛ يقول والت: «خلاصة القول: نحن نخسر حاليًا معركة منع حدوث تغييرات كارثية من صنع الإنسان في البيئة التي تعتمد عليها الحياة كلها.
والقوى الكبرى - الدول الصناعية المتقدمة التي تمتلك أكبر الاقتصادات والتي تنتج معظم غازات الاحتباس الحراري - هي المسؤولة في المقام الأول.
« بالنسبة للواقعيين، وفي عالم كهذا، ستتنافس القوى الكبرى على السلطة و/أو الأمن وتركز على المكاسب المرحلية بقدر أكبر من المكاسب على المدى الطويل لأن كونك أضعف من الآخرين مرحلياً قد يجعلك عرضة للضغط أو لخطر الغزو.
ستكون الثقة نادرة، والإيثار شبه معدوم، والمصالح الوطنية الأنانية ستطغى بشكل روتيني على المصلحة العالمية الأوسع، وأكبر مثال هو استجابة القوى الكبرى لأزمة كورونا.
لن تقدم أي قوة عظمى تضحيات كبيرة إذا اعتقدت أن ذلك سيجعلها في وضع غير موات مقارنة بالآخرين.. أو أنها ستقلق من كونها قد تقدم تضحيات بينما يغش الآخرون.
في كتابه التاريخي «الرجل والدولة والحرب»، استخدم كينيث والتز حكاية الفيلسوف جان جاك روسو الشهيرة عن «مطاردة الأيل» لتوضيح هذه المشكلة.
في الحكاية، يجب على اثنين من الصيادين أن يقررا بشكل منفصل، ودون علم الآخر، ما إذا كان عليهما اصطياد أيل أم أرنب.
إذا تعاونا للقبض على الأيل، فسوف يستمتعان بعشاء لحم الغزال، ولكن إذا بحثا سراً عن أرنب، فسوف يخسران لحم الغزال، وسيصابان سريعاً بالجوع.
هذا هو الحال مع تغير المناخ: يتطلب النجاح من جميع القوى الصناعية الكبرى خفض الانبعاثات، ولكن قد تميل كل منها إلى الغش وخاصة إذا كانت تتوقع من الآخرين أن يفعلوا ذلك أيضًا.
إذا أخل واحد أو أكثر منهم، فسيتم وضعهم جميعًا في حالة أسوأ.
ما الذي يجب عمله؟ لو كان من السهل إصلاح هذه المشكلة، لكان قد تم حلها بالفعل، لذلك يقول والت: ليس لدي معجزة لحلول أقدمها.
ولكن إليك بعض الأفكار التي يجب مراعاتها.
أولاً، سيتطلب تحفيز العمل العالمي جهودًا متواصلة وفعالة لتثقيف الناس بشأن ما يحدث لكوكبنا ولماذا يحدث وشرح ما يجب القيام به لتجنب الكارثة، إذ لا يزال هناك جوقة من المشككين..
تغيير مواقف الجمهور هو أفضل طريقة لاستغلال المصلحة الخاصة للسياسيين..
في جميع أنحاء العالم، يحتاج المزيد من القادة إلى عدم التخوف من ردود فعل شعبية إذا هم أقدموا على تضحيات في مجال حل أزمة المناخ، أما إذا كان هناك وعي شعبي، فالسياسيون يتوقعون أن الجمهور سيطالبهم بعمل حل للأزمة..
تنصح الواقعية أيضًا بإخبار الناس بالحقيقة حول ما يتطلبه الأمر لمعالجة هذه المشكلات وعدم محاولة إيهامهم بالاعتقاد أن إصلاحها سيكون مجانيًا تمامًا.
قد تخلق الصفقة الخضراء الجديدة وظائف جيدة للبعض، لكن الجهد المبذول للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه سيتطلب حتمًا أن يغير كل واحد منا طريقة عيشه.
ستكون بعض هذه التعديلات غير مريحة أو حتى مؤلمة..
على المستوى العالمي، تشير الواقعية إلى أن الجهود المبذولة لوقف أو عكس الاحتباس الحراري يجب ألا تعتمد على النداءات المثالية لإنسانيتنا المشتركة، بل على المصالح الضيقة لكل دولة لأنها أكثر إقناعاً.
كما يجادل أناتول ليفن في كتاب مهم حول هذا الموضوع، يظل البشر قَبَليين للغاية - وهذا الدافع هو ما تدور حوله القومية - وقليل من الحكومات، إن وجدت، ستقدم تضحيات كبيرة من أجل الناس في البلدان الأخرى.
لكنهم سيقدمون تلك التضحيات إذا أدركوا أن عدم القيام بذلك سيجعل بلدهم أسوأ حالاً.
أخيرًا، فإن الواقعية ترى السياسةَ الدولية في المقام الأول من منظور القوى العظمى: إن أفعالهم هي التي تشكل معظم ما يحدث على هذا الكوكب، وسببت معظم الضرر للغلاف الجوي، ويعتمد حل المشكلة على أفعالها أكثر من الدول الأخرى.
يشير هذا الموقف إلى أن مؤتمرات القمة المناخية الشاملة التي تتضمن كافة أعضاء الأمم المتحدة أقل أهمية من المنتديات المصغرة مثل مجموعة السبعة أو العشرين.
وهنا يكمن جزء صغير من الأمل: صحيح أنه ليس من السهل الوصول إلى اتفاق بين أكبر 5 أو 10 أو حتى 20 مصدرًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن محاولة جعل الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكملها تتوصل إلى إجماع ذي مغزى أمر غير محتمل.
الواقعية هي وجهة نظر متشائمة في الشؤون العالمية، والتحدي المتمثل في معالجة الاحتباس الحراري يوفر سببًا كافيًا للتشاؤم.
ومع ذلك، يقول والت، فإنني أشعر ببعض الراحة في الوعي المتزايد بخطورة المشكلة، والمبادرات الجريئة التي بدأتها بعض الدول، والمشاكل السياسية التي واجهها المنكرون البارزون لتغير المناخ..
آمل فقط ألا يكون الوقت قد فات.