د. تنيضب الفايدي
الإيمان بأن ما نزل به من المصائب أو الأذى أو القرح فهو بقضاء الله وقدره ربما فيه خيرٌ له فيؤمن بالقضاء والقدر، فلا تتحسر فيه؛ لأن التحسرَ لن يغيِّر من الواقع شيئًا، بل سيؤذيك في صحتِك النفسية، وربما في الجِسمية أيضًا، بل تأخذ وتستفيد الدرس من تلك الوقائع، قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (111) سورة يوسف.
وهذا الذي وضَّحه الحديثُ الشريف: «وإن أصابك شيءٌ فلا تقُلْ: لو أني فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتَحُ عملَ الشيطان». رواه مسلم.
ثم إنه من الطبيعي أن يمرّ الإنسان بفترات من القلق، وربّما بفترات من اليأس يشعر بها بفقدان السيطرة على كل ما حوله وبفقدان الثقة بنفسه. ولكن من الضروري أن يعرف كيفية إعادة السيطرة على الحياة وتخطي هذا الجو السلبي بكل هدوء وسلام.
فعلى الإنسان دائماً عندما تعترضه تافهة معينة أن يحول مجرى حياته من هذه التافهة إلى جو آخر، وقد ذكر دايل قصة حيث يقول: «بينما كنت مدعواً وزوجتي لتناول حفلة عشاء في منـزل صديق لي في شيكاغو إذ ارتكب مضيفي خطأ لم أحفل به لأنني لم أتنبه لهذا الخطأ منه، لكني ما لبثت أن عرفت الأمر من زوجته الجالسة، تعنّفه بقولها: ما هذا يا جون، أهكذا يكون تقطيع اللحم، ثم التفتت إلينا قائلة: إنه هكذا يخطئ دائماً، لكن علته أنه لا يحاول إصلاح خطئه مطلقاً». إن هذه حادثة طفيفة جداً ولكن ستكبر ويحصل ما لا تحمد عقباه، إذا لم يحوّل هذه التفاهة إلى جو آخر، حيث لم يقل لزوجته شيئاً بل ضبط أعصابه، وهكذا كانت جلسة جميلة ورائعة جداً، وإني والحق أفضل أن أتناول أكلة صغيرة ورخيصة في جو هادئ على أن أتناول بطة دسمة في جو عصبي كهذا الذي شاهدته نفسي اليوم.
وحادثة أخرى يقول عنها: دعوت بعض أصدقائي لتناول العشاء في بيتي، فلما اقترب موعد مجيء الضيوف في الوقت المحدد وجدت زوجتي أن ثلاث مناشف مختلفة اللون عن المناشف الموجودة لدينا، فأخبرتني بذلك الموضوع، فغضبت لاسيما بعد أن وجدت أن المناشف التي من النوع الذي نريده وسخة وملقاة للغسل، وزاد غضبي من إهمال الخادمة أنه لا مجال لغسلها في هذه اللحظة، فأحسست وكأني أوشكت أن أنفجر من غيظي، لكنني سرعان ما أدركت فكرة جاءتني في وقت أريده، فوافقت على وجود المناشف المختلفة مع المناشف المعدة، مخافة أن أغضب وأعكر صفو مزاجي ومزاج زوجتي وبالتالي تساؤل ضيوفي عن عدم صفائي معها، وبالفعل تجاهلت الأمر تماماً ونسيته في خضم العشاء؛ لأن السرور طغى عليّ في الجو الذي جمعني مع زملائي، والنتيجة الحسنة التي لم أكن أتوقعها أن الحفل لم يتنبه إلى اختلاف المناشف الثلاث عن الباقية.
ثم إن كثيراً من القلق يأتي من الافتراضيات التي لا أساس لها، فمثلاً تفكير الشخص لو صار كذا فماذا أفعل، وهكذا يدخل في نفسه القلق والكآبة والحزن قبل أن يقع هذا الأمر، جاء في كتاب دع القلق وابدأ الحياة: «كان الجنرال جورج كروك أكبر مقاتلي الهنود في الولايات المتحدة الأمريكية، وقال في تاريخه لحياته: إن معظم القلق والاهتياج والأوهام والمخاوف التي تنتاب الهنود إنما مرجعها إلى خيالاتهم ولا تستند إلى أساس من الصحة والحقيقة.
ويقول: إن جيم جرانت صاحب شركة جيمس جرانت للتوزيع بمدينة نيويورك التي تصدر العنب والبرتقال المعبأ إلى شتى أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية بطريق السكة الحديدية تعوّد على تعذيب نفسه بهذه الأفكار: «ماذا سيكون الأمر لو اصطدم القطار الذي يقل بضاعتي بشيء؟ ماذا يكون الأمر لو انهار جسر السكة الحديدية في لحظة مرور القطار من فوق هذا الجسر؟ إن البضاعة في الواقع مؤمن عليها ولا داعي للخوف أو القلق، لكنها إذا تأخرت عن وصولها في الموعد المحدد فإن زبائننا سيغيرون اتجاههم عنا... وقد أجهده القلق حتى شعر أنه أصيب بقرحة المعدة، فذهب من توه إلى الطبيب وأخبره عن حاله، فطمأنه الطبيب بأن كل هذه ما هي إلا أوهام يشعر بها، ويقول: فعندما طمأنني الدكتور عرفت أن هذا مجرد قلق وعدت فساءلت نفسي كم عربة أقلت فاكهتي في السنة الماضية، فأجبت نفسي: خمسة وعشرون ألف عربة. وكم عربة تحطمت؟ خمس عربات فقط، فقلت لنفسي عندئذٍ: فعلامَ الخوف إذن طالما أن نسبة تحطم العربات تعادل عربة لكل خمسة آلاف عربة، ولا داعي إذاً للقلق.
وقلقت من خروج القطار عن الجسر، وانتابني هذا وصعب علي طرده، فساءلت نفسي: كم مرة خرج عن السكة؟ فكان جوابي لا شيء، فلماذا إذن الخوف والقلق، وبالفعل استطعت طرد هذا القلق.