إبراهيم بن سعد الماجد
الحب من (المحبة) وهو حديث هذه الزاوية، ولا حياة لقلب لا يتذوق الحب، ويتلذذ بنفحاته عشية وضحاها.
وأعلى درجاته كما هو راسخ في وجدان كل مسلم ، حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
لكنني في هذه المقالة اتحدث عن الحب العاطفي الذي تغنى به عشرات إن لم يكن مئات الشعراء قديمًا وحديثًا، بل إن أعظم وأجزل قصائد شعراء العربية جاءت في الحب.
يقول المتنبي:
لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي
وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي
وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ
وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ
وَبَينَ الرِضا وَالسُخطِ وَالقُربِ وَالنَوى
مَجالٌ لِدَمعِ المُقلَةِ المُتَرَقرِقِ
وَأَحلى الهَوى ما شَكَّ في الوَصلِ رَبُّهُ
وَفي الهَجرِ فَهوَ الدَهرَ يرجو وَيُتَّقي
هذه الأبيات الغاية في العذوبة، تلمح عدم صدقها، لكون الشاعر فضّل الشك في الوصل على الوصل! وهذا من وجهة نظري يوحي بأنها أبيات قالها لعموم الحالة لا لخصوصية السبب، فهو لا يعاني حالة حب.
ولعل معلقة امرؤ القيس من أصدق ما قيل، كونها وصفت حالة مُعاشة، لا مجرد خيالات يرددها الشاعر. هذه المعلقة التي تجاوزت أبياتها السبعين بيتًا وقيل التسعين، فضلًا عن جمالها الفني، فهي تحمل من العاطفة ربما المؤلمة ما يجعل القارئ لها يقف أمام كل بين متأملاً، وربما متألم!
يقول في بداية أبياتها:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
تَرَى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصَاتِهَا
وَقِيْعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كَأَنِّيْ غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِيْ عَليََّ مَطِيَّهُمْ
يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفَائِيْ عَبْرَةٌ مَهَراقَةٌ
فهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا
وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
فَفَاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ مِنِّيْ صَبَابَةً
عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي
إلى أن يقول:
أَغَرَّكِ مِنِّيْ أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ
وَمَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتَقْدَحِي
بِسَهْمَيْكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
امرؤ القيس كما هو معروف يتربع على قمة شعراء الجاهلية، وقد وصفه بعض الباحثين بأنه ملهم شعراء العربية منذ زمنه إلى زماننا هذا.
ما أريد أن أقوله في هذه المقالة: هل شعراء اليوم الذين يرددون قصائد الحب، يعيشون هذه الحالة حقيقة؟ وهل حب اليوم كما هو حب الأمس؟ من وجهة نظري أن شعراء اليوم يعيشون حالة مغايرة تمامًا، وما يقولونه ما هو إلا محاولة مجاراة ليس إلا! وإلا في الواقع فالعاطفة أصبحت غير صادقة، وهي للتشبيب أقرب منها للمعاناة، يسند رأيي هذا واقع مجتمعاتنا العربية التي تعاني من خمول عاطفي، إلا ما ندر، وكل ما تضج به ساحات الشعر ما هو إلا غزل ممجوج.
كم نحن في حاجة إلى الصدق في المشاعر، والصدق في ترجمة هذه المشاعر، سواء في أشعارنا، أو في علاقاتنا الاجتماعية.