د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بسبب نقص الاستثمار، وعدم استقرار الإنتاج في بعض دول تحالف أوبك + أدى إلى اتساع الفجوة بين الالتزام والإنتاج الفعلي الذي قاد إلى زيادة الأسعار، في ظل الجهود الدولية الواسعة والمتسارعة في مجال تحول الطاقة.
أيضاً بسبب المخاطر الجيوسياسية في مقابل تعافي الطلب، وهو ما أكدته وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب على النفط سيتجاوز مستويات ما قبل الوباء، خصوصاً بعدما انحسرت على نحو واسع المخاوف المرتبطة بانتشار متغيّر أميكرون من فيروس كورونا، وحديث مؤسسات صحية دولية موثوقة عن انتهاء الجائحة وتحولها إلى مرض متوطن أقل في المخاطر.
فهناك مخاوف من شح الإمدادات تلقى بظلال قوية على السوق، والتي دائماً ما كانت تذكر به العالم السعودية من أن أمن الطاقة لا بد أخذه في الحسبان عند التوجه نحو الطاقة المستدامة، ودائماً ما كانت السعودية حريصة على تسمية التحول بمزيج الطاقة، لأنها تدرك أن التحول لا يزال مبكراً، وسيعتمد العالم على الوقود الأحفوري عقوداً من الزمن، خصوصاً مع النمو المطرد في الطلب على الطاقة، حيث تعزِّز حالة من القلق من استقرار المعروض النفطي، خاصة بعدما أظهرت بيانات رسمية أن أوبك+ ضخت فقط في ديسمبر 2021 نحو 253 ألف برميل يومياً إلى إنتاجها المجمع، وذلك دون هدفها البالغ 400 ألف برميل يومياً.
حتى وكالة الطاقة الدولية أكدت على مرونة الطلب منذ ظهور متغيِّر أميكرون من فيروس كورنا، وهو الذي دفع الأسعار إلى أعلى مستوى في سبعة أعوام، خاصة مع تعثر زيادة الإنتاج من قبل بعض أعضاء أوبك+، وستظل المكاسب السعرية السمة الغالبة على السوق لفترة طويلة مقبلة، وعلى الأقل حتى 2023، نتيجة قوة الطلب وتراجع المخزونات العالمية من النفط الخام.
لكن استمرار تقييد الاستثمار في الإنتاج الجديد، وهو ما يحد من وفرة المعروض، مع توقع مورجان ستانلي أن طاقة إنتاج النفط الاحتياطية العالمية ستنكمش من 6.5 مليون برميل في اليوم إلى مليوني برميل يومياً بحلول منتصف 2022، هذا مع انخفاض إنتاج الولايات المتحدة نحو مائة ألف برميل يومياً إلى 11.6 مليون برميل مع بداية فبراير 2022 رغم ارتفاع عدد الحفارات بالنفط إلى 495 أعلى بنحو 226 منصة من عدد الحفارات عن عام 2021، كما ارتفع عدد الحفارات التي تعمل بالغاز إلى 115.
كشف مؤتمر التعدين الذي أقيم مؤخراً في الرياض من 11 - 13 يناير 2022 بمشاركة 150 مستثمر من 100 دولة الذي كانت دعوته لقيام نموذج دولي في التعدين بعدما أوضح أنه خلال العامين الماضيين أن عصر الطاقة المتجددة الرخيص نوع من ضرب الودع، بعدما أشار عدد من الحاضرين إلى أن صناعة التعدين لم تعد محبذة للمقرضين لأنها مضرة بالبيئة، ومن دون صناعة التعدين، لا يمكن أن يكون هناك انتقال حقيقي للطاقة، لأن الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، وخطوط نقل الطاقة والمركبات الكهربائية تعتمد اعتماداً رئيسياً على صناعة التعدين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الخام المستخدمة في الطاقة المتجددة، وهو تطور لم يكن يتوقعه ممن كانوا يطالبون بتحويل الاستثمارات من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة المتجددة، ووقف الاستثمار في الصناعات التي تضر بالبيئة.
فاتفاق باريس 2015 الذي فتح آفاقاً واسعة لمكافحة التغيّر المناخي، والتحول من عصر الطاقة الهيدروكربونية إلى عصر الطاقة المستدامة لتصفير الانبعاثات في منتصف القرن الحالي، لكن اكتشف الأوربيون أنفسهم ممن تبنوا هذا التوجه وهذا التحول أن هناك عقبات، واليوم هناك اعتماد 500 مليار يورو للطاقة النووية في أوربا رغم اعتراض ألمانيا، واعتبار الغاز وقود مرحلي للعبور ما بين عصري الطاقة، ومن ثم صعوبة تحقيق تصفير الانبعاثات في حال استخدام الغاز، وحتى الفحم الحجري هناك ممانعة كبيرة من اكبر دولتين في استخدامه هما الصين والهند، ولكنهما يتجهان نحو تقليص استخدامه، وكذلك الولايات المتحدة وأستراليا، فمن باب أولى النفط أن يستمر استخدامه وهو الأقل تلويثا للبيئة من الفحم الحجري، ما يعني أن المنظمات الدولية كمنظمة الطاقة الدولية ودولاً أوربية فشلت في وقف الفحم الحجري وهي لن تستطيع وقف استخدام النفط.
وهذا لا يعني وقف إنتاج النفط الأخضر، بل اتجهت السعودية نحو مشاريع ضخمة في مجال إنتاج النفط الأخضر، وإنتاج الهيدروجين باعتباره وقود المستقبل، بجانب أنه من الضروري شمول النفط الخالي من الانبعاثات، وخصوصاً أن السعودية جربت شفط ثاني أكسيد الكربون من النفط عبر ما يُسمى بتدوير صناعة اقتصاد الكربون، فلا بد أن يكون ضمن الوقود الذي يتوجب استعماله بعد 2050، الذي لا يمكن الاستغناء عنه مستقبلاً، لأنه حالياً يمثِّل 80 في المائة من الوقود المستهلك عالمياً.