عبده الأسمري
على مشارف الطريق أبحر في ليل الشجن فأزهر حرفه «شوقاً» ليشكل «القول» في قصائد من قريحة «عاشق» من أرض عبقر..
أمسك بزمام «الشعر» واستمسك بمرام «الشعور» فطوع «الأبيات» في خدمة النصوص وأرضخ «القوافي» لجرأة المشاعر..
ما بين نبل الجواب وفصل الخطاب وفضل الصواب بنى «صروح» المقام «الشخصي» من «لبنات» الصبر وشيد «أركان الإلهام» الذاتي من «ومضات» العبر..
اقتنص من «تجارب» العمر الاقتدار واقترف من «مشارب» الحياة الانتصار ليكون «خبير» السفارات و»سفير» المنصات الذي ارتدى جلباب «المسؤولية» واعتلى منابر «الثقافة» مجهزاً «تركيبة» السياسة مطلقاً «كتيبة» الفراسة ليكون «الضمير» المتكلم والفاعل المعلوم والمصدر الصريح لمقامات «النبلاء» ومهمات الفضلاء.
إنه الشاعر الشهير والسفير الخبير الراحل الأستاذ محمد الفهد العيسى رحمه الله أحد أبرز الأسماء الشعرية والدبلوماسية في الوطن.
بوجه قصيمي وملامح خليطة بين الود والجد مع تقاسيم نجدية تتشابه مع والده وتتقاطع مع أخواله وأجداده وعينان لامعتان تسطعان من خلف «نظارة» طبية لا تفارقه ومحيا أنيق يرتدي «البياض» يزهو بالبشوت «الملونة» في محافل القرار ويرفل بالأزياء الوطنية في اتجاهات العمل وشخصية يسودها «الصمت» القائم على «حكمة» عميقة والمتعامد على «حنكة» متعمقة.. وصوت جهوري مشفوع ببلاغة «الشعر» ومسجوع بنباغة «القول» تتقاطر منه «مفردات» القصائد وتتوارد وسطه «انفرادات» النصوص ولغة «فصيحة» حصيفة تتخذ من «السياسة» الضياء ومن «الكياسة» الإمضاء قضى العيسى من عمره عقوداً وهو يلبس «الذوق» حلل الشعر ويضيء «الدبلوماسية» بحلول التجديد في سيرة فاخرة بالأثر وزاخرة بالتأثير ليظل الشاعر والدبلوماسي ورجل الدولة وبطل المرحلة المقيم في المتون «المشرقة» من «ذاكرة» الوطن والشؤون «الموثقة» في استذكار «الهمم»..
في عنيزة الباذخة بإنتاج «المبدعين» ولد عام 1923 في نهار شتوي وسط منزل مكتظ بالتآلف وممتلئ بالألفة وانطلقت «مواويل» الفرح وتعالت «تراتيل» المرح بين أسرة وجيهة ملأت سمعتها أصقاع «القصيم» بالمكارم والفضائل.. ودوت في منزل «الفهد» الوجيه القصيمي أحد رجالات الملك عبدالعزيز أفراح «القدوم» الميمون وبشائر «المقدم» المبارك
قضى العيسى سنوات عمره الثلاث الأولى في حضن والدته لانشغال أبيه بالعمل والترحال ثم انتقلت الأسرة للمدينة المنورة ووسط ثراها «الطاهر» تشربت نفسه «أُثير» السكينة وتعتقت أنفاسه بعبير «الروحانية» مولياً قبلة «طفولته» الأولى نحو «التزام» عائلي و»تدين» أسري ملأ قلبه الصغير بموجهات «الإحسان» وتوجيهات «الحسنى».
ركض العيسى مع أقرانه في أحياء المدينة مشفوعاً بعناية أمه وممنوحاً كفالة جده وانجذب باكراً إلى «جموع» المصلين وهي تتوافد على المسجد النبوي وانخطف مبكراً إلى «مجاميع» القراء وهي تتعاقب على حلقات التحفيظ فغمر وجدانه الذكر الحكيم واستعمر كيانه الشكر المستديم فظل سائراً بين قطبين من المعروف والعرفان..
اتخذ من توجيه جده لأمه امام المسجد النبوي الشريف الشيخ صالح الزغيبي «ركناً» شديداً استنبط منه «خرائط» الاقتداء فظل ينهل من العلوم الشرعية واللغة العربية ودرس في مدارس طيبة الطيبة وتعلم القرآن الكريم وتخرج من ضمن الأوائل ممن نالوا شهادة «الثانوية العامة».. ثم ابتعث إلى مصر لدراسة الإدارة والحقوق فجذبته «الموسيقى» واجتذبه «الفلكلور» فدرس مقاماتها وسبر أغوارها واستخرج مكنوناتها مندفعاً من «ينبوع» شعري ظل يتدفق من أعماقه ليروى «جدب» النهم بالمعرفة و»عطش» الاشتياق للثقافة.
تنقل في محطات شبابه وسط الحجاز حيث انتشى طهر هضاب مكة وتنفس نسائم شواطئ جدة وجال بالطائف متيماُ بفيافي شهار وورود الهدا وثمار الشفا ليكتب جغرافية الشعر باحترافية الشعور.
أجاد «الصمت» في مواجهة «التعنت» وأتقن «الصد» في وجه «التشدد» فاحتفظ بقصائده وتحفظ على أعدائه.. توقف «وظيفيًا» في هدنة مع «سدنة» التطرف وجاد بالاعتذار كطبع «الكبار» ثم انتقل من «وقفة» إجبارية وعقبة اضطرارية إلى «وثبة» اعتبارية وضعته «سفيرًا» بعد أن نال «مكافأة» المصابرة وحظي بهدية «المثابرة».
سيرة عملية باهرة بالانتماء زاهرة بالنماء حيث تعين بوزارة الخارجية عام 1359هـ، ثم نُقلت خدماته إلى مصلحة الزكاة والدخل عام 1372هـ ثم إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1381هـ؛ وترقى فيها مديراً عاماً ووكيلاً للوزارة وهو لم يتجاوز سن الأربعين ثم نقل إلى الديوان العام لوزارة الخارجية وعيِّن رئيساً لإدارة الشؤون الإدارية والقانونية وتم تعيينه سفيراً للوطن لدى جمهورية موريتانيا عام 1392 ثم تعين سفيراً لدى دولة قطر عام 1395 ثم سفيرا في الكويت عام 1402 وبعدها تعين سفيراً لدى الأردن عام 1407 ثم سفيراُ في عمان عام 1415 واختير عضواً بمجلس الشورى عام 1417 ثم تعين سفيرا في البحرين عام 1420 وتم منحه عضويات مختلفة في عدة قطاعات وهيئات حكومية.
تقاعد العيسى من العمل الحكومي عام 1422هـ بعد قضائه 57 عاما خادماً لدينه وقيادته ووطنه في مناصب متعددة كان فيها أهلاً للثقة وأنموذجاً للإخلاص.
صدر له كتاب (الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى) وأصدر ثلاثة عشر ديوان شعر. ونشرت له مقالات وبحوث نشرت في عدد من الصحف السعودية والخليجية والعربية. اجتاز دورات في الإدارة والتنمية والمصارف من عدة جامعات أمريكية وبريطانية ونال وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة ووسام الاستحقاق الوطني من جمهورية موريتانيا وتم تكريمه في عدة مناسبات. واهتم بالفنون الشعبية وكتب حلقات عنها ونوقشت رسائل دراسات عليا عن شعره.
انتقل العيسى إلى رحمة الله في الثاني من أغسطس عام 2013 وووري جثمانه في مقابر أم الحمام بالرياض وتناقلت الأوساط الثقافية والإعلامية والأدبية والدبلوماسية النبأ بتداعيات «الفقد» وودائع «الفراق» ودعوات «الاستيداع» وبقى أرثه» حصاداً تتناقله «المحافل» ومدداً تتوارثه «الأجيال».. وترك وراءه «ذرية» بررة رسخوا «بصمات» التربية ووظفوا «هبات» التوجيه ليكونوا «ثماراً» يانعة ارتوت من عطايا أثره ونمت في ثنايا مآثره.
محمد الفهد العيسى بدوي الدهناء وسفير الشعراء وخبير السفراء «الشاعر» المكين و»الدبلوماسي» الرزين صاحب السيرة الزاهرة بالانجاز والمسيرة الباهرة بالاعتزاز.