قد أحسن غازي الفقيه حين عنون كتابه بـ «موقع سوق حُباشة بين المؤرخين والمجتهدين» فالنزاع لم يكن إلا على الموقع، أما السوق فقد ثبت في كتب التراث أنها من أسواق العرب في الجاهلية ولا ريب، لفت انتباهي حين أشار إلى أن سعد الماضي بنى كتابه «سوق حُباشة دراسة علميّة ميدانيّة» على مقالة قديمة سمّاها «حتى لا يكون في تهامة حُباشتان» وفي الأصل والحقيقة أنها حباشتان، سوق اليهود في المدينة وهذه السوق القديمة المتنازع على مكانها، وقد أهدى الفقيه كتابه لوزارة السياحة والتراث الوطني، ودارة الملك عبدالعزيز في إشارة لكونها المعنية بالفصل في النزاع على موقع سوق حُباشة وكي ترسل بعثة تنقيب إلى الموقعين ويكون لها الكلمة الفصل بعد ذلك، وقسّم كتابه إلى ما قلناه هنا فمقدمة ذكر فيها الدعوة التي تلقاها منذ عامين من الأمين العام المكلف لدارة الملك عبدالعزيز بالمشاركة في ورشة موضوعها تحديد موقع سوق حُباشة، وقد تشرف كاتب هذه السطور بدعوة مماثلة للمشاركة، يضيف غازي أن كتابه هذا بدأه بتلك الورقة العلمية التي كانت نواته، وكان ينوي المشاركة بها، ولكن الورشة أُجِّلت ولم تنعقد في موعدها، ثم عقدت بعد مرور عامين في الرابع عشر من أكتوبر الماضي وتكررت الدعوات لكلينا فشكراً لأولئك القائمين على ذلك اللقاء، قرر غازي بعد اللقاء الأول المؤجل، طباعة مؤلفه هذا وهو تلك النواة، مساهمة منه في إحياء سوق حباشة التي كانت في زمانها إحدى أكبر أسواق العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، ثم جاءت التوطئة وابتدع حواراً دار بينه والسوق القديم بأسلوب الكاتب البارع، ذلك هو غازي، يقول كانت رفاتاً في قبرٍ ولما نُبش قبرها دبّت فيها الحياة، أكمل حديثه فأبدع في طرح تلك الصور ليأخذ القارئ بأسلوب أدبي ماتع، لم يكن أسلوبه تقليدياً، فأراد أن يضع لها شهادة ميلاد تثبت هوية تلك السوق، ولم يسبق لمثلها، هاتفني بعض الأصدقاء يخبرني بصدور الكتاب، ورغم اختلافهم مع ما كتبه، إلا أنهم لم يخفوا إعجابهم بالفكرة وبما سطره قلمه، فأنشأ تاريخ ميلادها والمكان، وصفتها، وحياتها، والنشاط الذي كانت تزاوله حين الحياة، فأجابته، وسألها لمن تنتمي..؟، وبمن تفخر ..؟، وما هو لقبها، وسألها آخر ما سأل أين تقع، وعن شهادة ميلادها فأخبرته، وذكرت له أنها قُتِلَتْ حين قُتِل مبعوث والي مكة داوود بن عيسى العباسي.
وبعد هذه التوطئة والمقطوعة الأدبية والحوار ذهب إلى المؤرخين الأوائل وسجل شهاداتهم وبدأ بشهادة (عبدالرزاق الصنعاني 211هـ) واقتطع جزءا مما قاله مما يهم القارئ وترك ما بقي لعدم علاقتها بموضوع السوق، ثم أتى بالشهادة الثانية لابن سعد في طبقاته وهو الإمام (محمد بن سعد بن منيع ت: 240هـ) وعلّق غازي على نص ابن سعد قائلاً لا يوجد إشارة لموقع السوق سوى ذكر المراحل التي حددها ابن سعد بثمانٍ وأنها على طريق الجند شرق تعز باليمن باتجاه مكة كإحدى طرق الحاج اليمني ذهاباً للحج وإياباً منه.
وتطرق لما قال الهمداني في «صفة جزيرة العرب» وأورد ما نصه «إن المحجة القديمة ترتفع إلى حلي العليا وتسمى حلية وإليها ينسب أسود حلية وهي التي ذكرها الشنفرى في شعره» وفي تعليقه على نص الهمداني لا يوجد ذكر لسوق حُباشة على هذا الطريق، ولا يورد الهمداني سوق حُباشة ضمن الأسواق العربية القديمة، فقد حصرها دون ترتيب في أسواق «عدن، مكة، الجند، نجران، ذو المجاز، عكاظ، بدر، مجنة، حَجْر اليمامة، وهجر البحرين».
وأردف المؤلف أن اللافت تجاهل الهمداني (ت: 360هـ) لسوق حُباشة، مع أنها مشهورة وقريباً من طريق الحاج اليمني إلى مكة، وأعظم أسواق العرب في تهامة بجزيرة العرب، وذكرها أسلافه المؤرخون، وهو من هو في اهتمامه جغرافياً وتاريخياً باليمن موطنه خاصة، وبجزيرة العرب عامة.
ثم توالت الشهادات فجاء بشهادة المؤرخ المكي أبي الوليد الأزرقي (ت: 250هـ) وألمح إلى الزيادات فيها عن شهادة ابن سعد حين وجد أن الأزرقي يضعنا على موقع السوق، والقبيلة التي تديرها، فالموقع: صدر قنونى وحلي بناحية اليمن(!) والقبيلة الأزدية هي الأوصام، ويذكر المسافة بينها وبين مكة ستَّ ليال مخالفاً لابن سعد الذي حددها بثمان ليال، وأن السوق تابعة لولاية مكة، وأن والي مكة يستعمل على السوق مبعوثاً كوالٍ من قبله، وهذا الوالي يقيم بالسوق ثلاثة أيام، وأن أهل السوق الأزد وهم الأوصام قد قتلوا مبعوث والي مكة الغنِىّ، فخربت السوق بسبب ذلك.
ثم ذكر المؤلف ما قاله ياقوت الحموي(ت: 626) وأخذ بشهادته على السوق وضبط اسم حُباشة، وأن ياقوت كسلفه البكري ولكن عنده زيادة فأوردها المؤلف هنا.
كتب غازي بعد الماحة لأقوال المؤرخين القدامى انه كان سيأتي بشهاداتهم جميعاً ولكن لم يجد جديداً يضيفه ذا أهمية، ثم قام المؤلف بتوضيح اتفاق واختلاف تلك الشهادات وما رآه اتفاقاً فنّده على النحو التالي:
1. أن سوق حُباشة تهاميّة عربيّة مكيّة عاشت الجاهلية وصدر الإسلام وهي في صدر (وادي قنونى) و(أرضها لبارق) لدى الأزرقي.
2. أنها أكبر أسواق تهامة وتقام في شهر رجب من كل عام وهي سوق للأزد.
3. أن الرسول صلى الله عليه وسلم تسوّق فيها بتجارة للسيدة خديجة قبل البعثة النبوية.
4. أنها كانت سوق عامرة في جاهليّتها وفي صدر الإسلام حتى خُرِّبت سنة 197هـ.
أما اختلاف الشهادات فهو كالتالي:
1. تقدير بُعْد سوق حُباشة عن مكة المكرمة جنوباً (يمناً) فابن سعد في طبقاته يحددها بثماني ليال وأخذ برأيه البكري في معجمه.
2. يحدد الأزرقي بُعْدَها عن مكة بست ليال.
3. ذكر البكري حُباشة بأنها ناحية مكة بينما ابن سعد والأزرقي ذكراها بناحية اليمن.
4. ذكر الأزرقي أن مدتها ثلاث ليال، وأيّد حمد الجاسر هذا القول وغازي الفقيه رأى ذلك أيضاً.
5. اتفق ابن سعد والبكري على أن مدة السوق ثمانية أيام.
6. خلى كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني من ذكر سوق حُباشة ضمن أسواق العرب القديمة.
7. أن ياقوت الحموي هو أيضاً لم يذكر تحديداً لموقع سوق حُباشة في معجمه.
ثم يتساءل المؤلف بعد أن ساق الاختلاف والاتفاق عن إثبات هوية هذا المكان الذي كانت فيه السوق أنه لم يتضح حتى الآن، ويتساءل أين هي سوق حُباشة..؟
ثم ألمح أن حُباشة ظلت أكثر من ثلاثة عشر قرناً طي النسيان حتى انبرى لإحياء ذكرها بعض المؤرخين المعاصرين المجتهدين الذين توقعوا موقع سوق حُباشة في المنطقة التي يتوسطها صدر قنونى، وكان أبرزهم الشيخ حسن بن إبراهيم الفقيه (1358 - 1436هـ) الذي أودع رأيه في موقع السوق لدى عاتق البلادي الذي نشره في كتابه «بين مكة واليمن رحلات ومشاهدات» حين أكّد حسن الفقيه أن موقع سوق حُباشة في قنونا وأنه يوشك أن يضع يده على البرهان القاطع، حيث يقع في بداية تكون وادي قنونى بعد اجتماع الأودية الأربعة رحمان والخيطان والحفيان وأخيراً وادي بيان، جنوب غربي قرية الفائجة بنحو 4 أكيال شرق المحلة المعروفة بـ (الحواري) من بلاد بلقرن وبلحارث منهم خاصة.
والآثار الموجودة المشاهدة بما في ذلك من قبور وفخار وبعض آبار حتى المباني القديمة، وجدد حسن الفقيه رأيه في سوق حُباشة والذي نقله البلادي عنه في كتابه «بين مكة واليمن»، ولكن هذه المرة باسمه هو في «حوليات سوق حُباشة» لصاحبها الدكتور عبدالله أبو داهش، حيث أشار البلادي في كلامه المنشور إلى رأي حسن الفقيه حول ذكر المؤرخين لـ (الأوصام من بارق) فقال ما نصه «(....... لا يُعرف في الحاضر أو الماضي اسم لقبيلة أو أرض بهذا الاسم (الأوصام)» وإن كنت عددته تحريفاً باسم (الاواس) القبيلة الأزدية التي حلّت هذا السوق في ديارها آنذاك من صدر قنونى، وهو الموقع الذي يعد أقرب إلى الصواب في أنه يبعد ست ليال عن مكة.......، وكانت الأواس صاحبة الموقع على نحو ما فصّلت عنه في البحث المطوّل الذي أعددته عن هذا السوق.؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وجميل هنا ما أورده المؤلف من تساؤلات عاتق البلادي رحمه الله حيث قال بعد تأكيده على وجود سوق حُباشة في قنونى، وكأنه يحاور الأزرقي والبكري في ذلك:
1. يرى أن عبارة «من صدر قنونى وحلي» كما وردت لديهما، لا يمكن الجمع بينهما فهما واديان ...... بينهم عشرات الأكيال، فهو أي السوق إما من صدر قنونى أو صدر حلي، وقد وفّق إلى هذا الرأي.
2. كما أن نص البكري يضع موقع السوق من صدر قنونى.
3. وقال: أجمعت النصوص لدى من ذكره من الرواة أن السوق في «ديار بارق» وعلّق بقوله: وديار بارق من حلي وليست من قنونى!، ويضيف ولا أعتقد أنهم كانوا ينزلون قنونى (يقصد الأوصام) ثم أزيحوا عنها، لأن كل من جاورهم من ديار وهي للأزد يمين بارق وشمالها، وبارق أزديّة وكل هذه القبائل ما زالت في منازلها القديمة.
وعن تخلّي البلادي عن تخليه عن الموقع الذي ظنّه للسوق في حلي 60 كيلاً جنوب قنونى وترجيحه للمعقّص 5 أكيال جنوب نمرة بمحافظة العرضيات، فهو لم يخرجه عن صدر قنونى بل يجعله في صدر قنونى.
أما ما قاله الجاسر رحمه الله عن موقع سوق حُباشة «إن السوق من صدر قنونى هو حيث يتسع حوض الوادي (قنونى) بمجاوزته ما كان يحصر مجراه من الجبال، وامتداده في سهل تهامة المتسع لنزول الكثير من الناس ممن يحضر ذلك السوق السنوي الشهير من مختلف الجهات، وهناك في الأرض البراح ملتقى للطرق المسلوكة قديماً وحديثاً، حيث تقع قرية تدعى الأحد، ويقصد أحد بني زيد، إذ يقام فيها سوق أسبوعي كل يوم أحد، لا أستبعد أن يكون موقع سوق حُباشة القديم بقرب هذه القرية، شرقي بلدة القنفدة بنحو عشرين كيلاً».
أما ما قاله ابو داهش فهو: «أن هذه السوق التي يظن بوجودها في صدر قنونى، إنما هي بالفعل تقع فيه، في حداب القِرِشَة اليوم أي في صدره، حيث كانت من قبل ضمن حوارِ بلاد بارق، ومن ولايتها وأرضها». ويشير أبو داهش إلى أن موقع السوق به آثار، وردوم، وحجارة مركومة، وبعض القبور، وقدّر مساحة الموقع بنحو كيل في نصف كيل، ولعله الوحيد الذي انفرد بتحديد مساحة موقع السوق بعد حسن الفقيه. بعد ذلك كله أوجد غازي في كتابه عنصراً آخر عن المؤرخين المعاصرين والمهتمين بسوق حُباشة وصنفهم بأنهم فريق لم يتفقوا على تحديد مكانها. وأورد شهاداتهم واستهلهم بالأستاذ عبدالله الرزقي وكتابه (سوق حُباشة: دراسة تاريخية موجزة) وأشار المؤلف إلى أن الرزقي اقتفى أثر حسن الفقيه فيما ارتآه عن موقع سوق حُباشة وتأكيد موقعه في وادي قنونى، ثم جاء المؤلف على كاتب آخر هو يحيى إبراهيم العجلاني صاحب كتاب (القنفدة نشأة وتاريخ) وهو ايضاً لم يحد عن رأي حسن الفقيه، وعدّه المؤلف ناقلاً فقط، ولفت نظر المؤلف وأنظارنا نحن أيضاً تفرد العجلاني بتفسير عبارة البكري التي نصها «أنها في صدر قنونى وأرضها لَبَارق...» حيث يقول إن لَبَارق بفتح اللام والباء، هي الأرض الغليظة التي بظاهرها الحجارة الشديدة والطين! ولو أخذ بهذا التفسير يقول الباحث لزال (اللغط) الدائر بشأن تبعية أرض السوق لمحافظة بارق أم لقنونى في العرضيات وغازي يصنف نفسه مع هذا الفريق، ثم جاء على الفريق الثاني المنتمين لمحافظة بارق وهم مثقفوها والمهتمون بتاريخ بارق وتراثها وفي مقدمتهم الأستاذ أحمد مريف البارقي ويليه عبدالله بن محمد الفقيه وكذلك الكاتب أحمد عسيري وكلهم يجمعون على موقع سوق حُباشة في «منطقة بارق» يقول المؤلف هنا إن الفريقين كل يدّعي بأحقيّة سوق حُباشة الجاهلي الإسلامي وذلك في صحفهم بارق والعرضيات الإلكترونية وما زاد الطين بلة تزويد الويكيبيديا لهذه المعلومات غير الموثقة، وذلك يضلل القارئ خارج الوطن وداخله.
وأفرد المؤلف عنصراً مستقلاً عنوانه: «مؤرخ معاصر يرى موقع سوق حُباشة في بارق..! وذكر فيه أنه سمع بصدور كتاب باسم «سوق حُباشة دراسة علمية ميدانية» للأستاذ سعد بن علي الماضي المشرف التربوي في تعليم الدوادمي ويعرّف أنه مؤرخ بلداني وشاعر، تولى نشر الكتاب نادي أبها الأدبي ومؤسسة الانتشار العربي في بيروت، وشكر المؤلف على اهتمامه بموضوع سوق حُباشة وإسهامه في توسيع دائرة النقاش العلمي حول ذلك، وأفرد للماضي ولكتابه عنواناً مستقلاً لكونه دَوَّن رأيه عن سوق حُباشة في مؤلف مطبوع ومنشور. قرأ الكتاب على عجل فوجده مبني على فكرة سيطرت على ذهن كاتبه سعد الماضي وهي مقالة قديمة سمّاها «حتى لا يكون في تهامة حُباشتان» ومما ورد لدى الأخير قوله «سوق حُباشة لبارق» وللأوصام منهم، فإن جهلنا ورثة الأوصام اليوم فلن نجهل أن لبارق حق نسبة السوق إليها..! وأضاف «وأجزم أن الأوصام لا يمكن أن يخرجوا من بارق ويتحالفوا مع آخرين من قبائل الأزد، لأن مسوغات التحالف غير موجودة.......». ويعلق الفقيه على الماضي في قوله الأول «حتى لا يكون في تهامة حُباشتان» فيقول: «ألم يصل إلى علم الماضي بأن في العوالي بالمدينة كانت سوقاً أخرى باسم سوق حُباشة لبني قينقاع»؟. ويأتي الأستاذ غازي الفقيه في مؤلفه هذا على ما كتبه الدكتور غيثان بن جريس في كتاب «بلاد القنفذة خلال خمسة قرون» ولخص رأي غيثان في عدة نقاط:
1. ان بلاد بارق تبعد عن وادي قنونا (100) كيلو متر باتجاه الجنوب وليس من المعقول أن تشترك قبائل ويقصد (قنونى وبارق ويبه وحلي) المتباعدة في سوق واحد كسوق حُباشة، حتى وإن كان أكبر أسواق تهامة.
2. وعلّق باعتقاد الأوصام لدى حسن الفقيه تصحيفاً أنها الأواس الخثعمية ويقترح أنه لا بد من براهين حول ذلك، واستبعد الدكتور غيثان أن يكون لبارق وقبائلها صلة بهذه السوق، وبخاصة إذا كان في صدر قنونى لبعد المسافة بين المكانين.
3. وأرجع غيثان الأسباب لشهرة سوق حُباشة إضافة لتشرفه بتسوّق النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيه، أن منطقة القنفدة تقع على طرق الحج والتجارة بين اليمن والحجاز، ثم وجود بعض المعادن المشهورة كمعدني ضنكان (في جنوبها) وعشم (شمالها).
أما رأي غازي الفقيه في موقع حُباشة فجعله في النهاية بعد استعراض آراء المؤرخين القدامى والمتأخرين، وبالنسبة لموقع سوق حُباشة في بارق، والمقترح من سعد الماضي فهو بعيد عن صدر قنونى كما بعدت بارق عن قنونى. وكما هو معلوم أن بارق المكان أقرب إلى (يبة) وواديها من واديي حلي جنوباً وقنونى شمالاً فاحتمال وجود السوق في بلاد بارق مشكوك فيه. وختم غازي رأيه النهائي في عدة نقاط هي على النحو التالي:
1. أن الجمع بين نصي ابن سعد والأزرقي ممكناً باتفاقهما في أنها سوق تهاميّة، وليست سرويّة، وهي للأزد إشرافاً، وشرفت بتسوق النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وأنها تقام في شهر رجب من كل عام.
2. لأن محافظتي القنفدة والعرضيات يقع فيهما وادي قنونى (بصدره ومصبِّه) من الشرق إلى الغرب، ففيهما يقع موقع السوق وفقاً لمصادر المتقدمين واجتهادات معظم المتأخرين.
3. ولأن بارق القبيلة وليس المكان، كان للأوصام منهم السلطة على السوق آنذاك، فلا يعني هذا وجود موقع السوق في حدود محافظة بارق حالياً، ومكانها يبعد عن صدر قنونى 100 كيلو تقريباً.
4. وفيما أورده ابن سعد في طبقاته أن السوق على طريق الجَنَدْ، فلم نجد ذكر للسوق على هذا الطريق، بل لم نجد الهمداني يذكرها من أسواق العرب في الجاهلية.
5. ذكر البكري أن أرض السوق لبارق، فإنه يعني دون شك القبيلة وليس المكان، ومن الطبيعي تمدد سلطة القبيلة وقت قوتها.
6. وللتوفيق بين ما اختلف فيه المؤرخون حول بُعد سوق حُباشة عن مكة المكرمة فعند (ابن سعد والبكري 8 مراحل) (والأزرقي 6 مراحل) وجميعهم لم يحضروها وإنما استقوا خبرها من رواة، هذا أولاً، وثانياً نجد من يقول (كاليعقوبي ت: 292هـ) أن ضنكان يبعد عن مكة (10 أيام) وضنكان شمال شرق القحمة وبعده عن بارق لا يقل عن 4 مراحل وهو آخر مراحل مكة التهاميّة مما يلي اليمن.
وخلاصة رأي غازي الفقيه «أن موقع سوق حُباشة لا يتجاوز المنطقة المحصورة بين أحد بني زيد على ضفاف وادي قنونا غرباً بمحافظة القنفدة وقرية الفائجة مركز بلاد بني بحير على وادي قنونا شرقاً 50 كيلاً بمحافظة العرضيات، ومما يؤسف له في حراك سوق حُباشة لدى بعض من اهتم بشأنها، بروز غلبة العاطفة على مصلحة الوطن العليا في مشروع بعث الحياة من جديد في سوق تهامة الأكبر (سوق حُباشة) ليكون رافداً سياحياً واقتصادياً، وقد زود أحد الفريقين الويكيبيديا بمعلومات غير دقيقة وغير معتمدة في قضية تاريخية وطنية».
** **
- عبد الهادي بن مجنّي
bnmgni@hotmail.com