أ.د.عثمان بن صالح العامر
هذه المقولة شاعت وانتشرت في الأوساط الشبابية، بل وحتى عند الكبار هذه الأيام، وهذا المصطلح (المتعة) له أبعاده المختلفة، ومعاييره المتباينة، وألوانه ومذاقاته المتنوِّعة باختلاف وتنوّع البشر، وتعدّد هوياتهم، وتباين اهتماماتهم، ولذا لا تستغرب من أي سلوك بشري تعده أنت مضيعة للوقت، وهدراً للمال، في الوقت الذي يعتبره مقترفه متعة جميلة يجد فيها أنسه وراحته، ويشبع من خلال تعاطيها حاجة في نفسه، لا يعلم هو فضلاً عن غيره كنهها ولا حتى ماهيتها.
شخصياً متعتي الكتاب وأذكر أن من أغرب الأسئلة التي طرحها عليّ قبل سنوات ليست بالقريبة، صديق قديم، افترقنا عن بعضنا البعض زمناً طويلاً جراء مشاغل الدنيا وبعد المسافات - وكان يعرف ولعِ بالقراءة وهو على النقيض تماماً - قال لي بالحرف الواحد وباللهجة الحائلية الماتعة: (أسألك بالله أنت إلى ها الحين تقرا، ما خلصت دراسة، خلاص، وش تبي مشغل روحك بها الكتب، التفت لنفسك، شف أولاد... ما عمرهم فتحوا كتاب، عندهم ملايين، ما ضرهم، ترك والله جالس تضيع وقتك، أنعمت عيونك، وبعدين وش الفايدة).
تذكرت كلمات صاحبي هذه وأنا أركب الطائرة صبيحة يوم الخميس الماضي متجهاً للقاهرة بغية شراء جديد وجيد الكتب من معرض القاهرة للكتاب 2022 .
هناك شريحة من الناس يعتقد بأن القراءة لا متعة فيها، إنما هي من أجل الحصول على الدرجة العلمية فحسب، والمقياس الوحيد عنده للسعادة والمتعة واللذة والأنس في هذه الدنيا (الرقم المالي في حسابك البنكي) فقط، مع الاعتراف بأهمية هذا الأمر عندي إلا أنها ليس كل شيء، وآخرون كثر لا يرون في مشاهدة المباريات، ومتابعة الأحداث، أو الخروج للبر، أو ركوب الخيل، أو امتلاك الإبل، أو الحرث والغرس والزرع، أو السفر والترحّال، أو لعب الألعاب الإلكترونية، أو إبداع اللوحات الفنية، أو حتى العمل الوظيفي، أو الكتابة، أو متابعة الجديد في عالم السيارات، أو... متعة، مع أن لكل من هذه الممارسات محب وعاشق يجد فيها متعة كاملة نحن لا نشعر بها ولا نصدق ما يقوله عنها وفيها، وهكذا تختلف الميول والرغبات باختلاف الطبائع والسمات فضلاً عن التكوين والاهتمامات، ولذا فليكن لدينا سعة أفق في قبول هذا التنوع الإمتاع مهما كان في نظرنا غير مستساغ متى ما كان في دائرة الحلال ولا يؤثّر على قيامه بواجباته الدينية والوطنية ولا يضر بمستقبله العلمي والوظيفي ولا يأخذه عن أهله وأسرته.
- أعرف أناساً يجدون متعتهم في العطاء والإنفاق ومساعدة الآخرين وإسعادهم وإدخال السرور عليهم، ولذلك تجدهم يواسون هذا ويقفون مع ذاك ويسددون فاتورة الثالث ويفكرون في كل خير يمتد لمجتمعهم الإنساني بكل أريحية وفرح.
- أذكر أن أحد الأقارب كان يعاني من كثرة خروج ولده المراهق الذي يدرس في المرحلة الثانوية من البيت خاصة حين يحين المساء مع أنه ليس صاحب استراحات، وقليل الأصدقاء ومحدود المعارف، وبالأخير اكتشف الأب بعد جهد جهيد أنه كان يذهب ليلعب بلياردو في مقهى قريب، ولم يكن في مقدور هذا الشاب أخبار والده بهذا الأمر، لأنه يعرف مسبقاً أنه سيعاقبه على صنيعه هذا الذي يجد هو فيه متعته.
- أحد الزملاء ذكر لي أن صديقاً له على درجة أكاديمية عالية متعته التجول في المطارات والتصوير فيها، حتى إنه زار غالبية مطارات العالم ولديه معلومات كاملة عن أكثرها، ويحتفظ بصور جلها إن لم يكن كلها خاصة الدولية منها، وإذا كان لديه رحلة خارجية يحرص على أن يذهب قبل الرحلة بأربع ساعات على الأقل لكي يستمتع هناك.
- أسأل أحد الأصدقاء قبل أيام عن أخيه الذي يصغره، أين هو ما له شوفة؟ رد علي: (حنا والله ما نشوفه، طاح بالبل، صار له بعارين ويجلس بالأسبوع والأسبوعين عندهن). وتبقى المتعة سراً من أسرار الشخصية، دمتم بخير، وإلى لقاء، والسلام.