د. عيد بن مسعود الجهني
التنظيمات الإرهابية في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن التي أطلق كل واحد منها اسما اختاره لنفسه، حزب الله، أنصار الله، الحشد الشعبي، القاعدة، كل تلك التنظيمات تقوم إيران بتسليحها بأحدث الأسلحة لمواجهة جيوش الدول النظامية، في الوقت الذي تحاول إيران نفي تورطها في التدخل في الشئون الداخلية للدول. وفي نفس الوقت يتباهى الملالي بأن بلادهم لها اليد العليا في دول عربية هي لبنان وسوريا والعراق واليمن.
وبهذا التدخل الإيراني السافر مثلا في اليمن أشعل صراعا داخليا بين السلطة الشرعية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي الإرهابية الانقلابية التي استولت على السلطة في العاصمة صنعاء ومعها القوات اليمنية التي كانت تحت يد علي صالح رحمه الله الذي قتله الحوثيون.
هذه الجماعة أخذت على عاتقها إطلاق سلسلة من الصواريخ والطائرات بدون طيار على المملكة والإمارات، وفي هذا خرق للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن بشأن اليمن ومنها القرار الشهير 2216 تاريخ 14 أبريل 2015م.
ذلك القرار وما لحقه من قرارات للمجلس حظر توريد الأسلحة للحوثيين وألزمهم بسحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء، الامتناع عن أية استفزازات او تهديدات للدول المجاورة، وعدم تجنيد الأطفال..الخ.
وإذا كانت الدولة الفارسية قد تحدت جميع قرارات مجلس الأمن ولم تنفذ قرارا واحدا منها فكان فعلها ألعن بكثير من السلوك الإسرائيلي.
وإذا كان الحوثيون بأمر إيراني لم يحترموا أكثر من (100) اتفاقية وقعوا عليها.
وإذا كانت إيران لم تقبل بالمبادرة السعودية الواضحة المعنى المحققة للسلام العادل في اليمن ليصبح سعيدا بعد أن أصبح كئيبا بفعل إيراني.
وإذا كانت الدولة الفارسية الحاقدة على الأمتين العربية والإسلامية لم تقبل أيضا بالمبادرة الخليجية واستمرت في إشعال نار الحرب في اليمن وضخ السلاح تهريبا من جميع الجهات ونقل أفراد وخبراء إيرانيين ومن حزب الله ومن الحشد الشعبي وغيرهم إلى اليمن.
وإذا كانت إيران بهذا المفهوم العام تشن حربا مفتوحة على دول المجلس من على أرض اليمن وعلى الدول الثلاث العراق، سوريا، لبنان، من داخل تلك الدول.
لهذا كله وأكثر وبعد حادثة مطار العاصمة الإماراتية، وأخرى زميلة لها وما تبعها، وما ستشهده ساحة المعركة من تقدم لصالح التحالف والحكومة الشرعية، ولأنه في الأسلوب العسكري وتطبيقا للإستراتيجية العسكرية.
وأخذا في الاعتبار بشكل واضح صريح أن المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن لم يفعل شيئا يذكر في التوصل لحل سلمي بعد هذه السنوات الطوال.
بل ان المنظومة الدولية التي يديرها الخمسة الكبار أصحاب (الفيتو) اللعين لم يدعموا المبادرة السعودية ولا أختها الخليجية، الأمر الذي يجعل باب الشك مفتوحا لنوايا بعض الدول التي من الممكن أن تحبذ استمرار هذه الحرب مشتعلة (لغرض في نفس يعقوب)، فالعلاقات الدولية مصالح وسوق السلاح الدولي عمود نمو الطلب عليه النزاعات والصراعات والحروب.
وإلا أين الرقابة على السفن الإيرانية (مثلا) التي نقلت وتنقل الأسلحة في كل أنواعها عبر البحر وصولا إلى الحوثي الإرهابي، والأسطول الخامس الأمريكي هناك وخلال أكثر من 7 سنوات لم يوقف سوى (6) شحنات عبارة عن أسلحة خفيفة!!
ولأن خيبات الأمل في نيات الدول الكبرى لإنهاء حرب اليمن قد تحققت، هذا لأنها لا تهددهم في المفهوم الإستراتيجي العسكري، إنما يجمعهم الملف النووي الإيراني، ولذا فهم منشغلون في قبول تدلل إيران بكثر طلباتها والكبار آذان صاغية لما تنادي به إيران حتى لا يتضرر أمنهم واستقرارهم.
أما موضوع حرب اليمن الذي تقوده إيران ضد المملكة ودول الخليج، فهو لايعنيهم بشيء سواء أطال عمر تلك الحرب أم قصر، مادام انه بعيد عن حدودهم، فهو أمنيا ليس أيضا كأوكرانيا التي انشغل بها الناتو واعتبرته أمريكا تهديدا مباشرا لأمنها القومي (فقامت دبلوماسيتها ولم تقعد) مرسلة تحذيرات دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، وكل ما يهمهم دولارات تدخل خزائنهم من مبيعات سلاحهم.
وما دام الأمل على هذه الحال فان حسم معركة اليمن مع إيران أصبح ضرورة عسكرية وليس ترفا.
والأساس العسكري المحوري في هذه الحرب وأحد أهم مفاتيح النصر انه الاستيلاء على ميناء الحديدة الذي يبعد عن صنعاء 226 كيلو متراً وهو الممر الرئيسي لجميع الجزر اليمنية ذات العمق الاستراتيجي، فالسيطرة عليه تعني السيطرة على جميع الجزر وهو الممر الرئيسي عبر البحر مع إيران باعتباره أهم الموانئ اليمنية والبوابة الرئيسية على البحر الأحمر، يعد ميناء عدن ثاني أكبر الموانئ البحرية على المستوى الدولي.
التحالف والحكومة الشرعية يسيطرون على ميناء المخا الهام مثلا، لكن ميناء الحديدة يعتبر مفتاح النصر إذا اكتملت معادلة الإحكام على جميع الموانئ على البحر الأحمر، هنا تبقى صنعاء في قلب الصحراء بين الجبال، ومطارها على مرمى حجر من ضربات قوات التحالف، فالطيران السعودي أثبت انه (الجواد) الذي يفوز في السباق دائما.
من تعريفات الحرب الخاطفة استخدام الطيران، القوات المدرعة والميكانيكية لتحقيق اختراق عميق داخل جبهة العدو لقطع خطوط إمداداته وتدمير مركز قيادته وتطويق دفاعاته، ويؤيد (ليدل هارت) في هذا التعريف بريطاني آخر (جون فولر)الذي أكد على ضرورة استخدام الدبابات مع طائرات الإسناد التكتيكي لقطع خطوط مواصلات العدو ونشر الفوضى في صفوفه.
وهذا الأسلوب الاستراتيجي أطلقوا عليه (الحرب الخاطفة)، تلك الحرب تتطلب درجة كبيرة من التفوق لسلاح الجو والاعتماد على عنصر المفاجأة (كعملية مطار صنعاء) وضعف الرد من قبل العدو المستهدف، ناهيك عن استغلال عامل السرعة في عمليات التخطيط والتنفيذ لإدارة المعركة للتمكن من هزيمة العدو وخلخلة هياكله وخلق الفوضى بين جنوده وقواته على الأرض في المقدمة وفي عمقه ومؤخرته.
ان كل دولة في المنظومة الدولية تحدد أهدافها ومصالحها، وترسم بدقة إستراتيجيتها العسكرية، ومن أهم الأسس بين الدول لتحقيق (الردع) امتلاك القوة العسكرية بتطورها الحديث لتصبح قادرة على حسم أي صراع تجبر على الدخول فيه دفاعا عن أمنها واستقرارها والدول الشقيقة، وهي (القوة) التي تفرض السلام وتحمي المصالح وتؤكد السيادة وتحمي الشعوب، خاصة مع وجود دولة كإيران تخلق الأزمات وتدعم منظمات الإرهاب وتشن حروبا بالوكالة على دول الجوار.
إن هذا لا يعني دخول التحالف والشرعية في خوض حرب شاملة ضد مجموعات إرهابية على الأرض وفي الجبال والكهوف هو عمل عسكري خاطف لتحرير ميناء هام جدا لمسيرة الحرب اليمنية، وفيه أيضا حماية أمن دول الجوار أرضها وسمائها وحدودها من أي عدوان.
إذاً عنصر المفاجئة في الحروب الخاطفة بمفهوم مبسط يعني المبادأة وخداع العدو بتطبيق خفة الحركة وسرعتها ومرونتها المدعومة بروح معنوية عالية، مع تحديد المهام بشكل عسكري دقيق وعدم التفكير بأهداف أخرى.
وبهذا تكون الضربة العسكرية المفاجئة قد ركزت جهودها على التحقيق الدقيق للسيطرة والتفوق على العدو وضمان النجاح في ميدان المعركة، وهذا هو مفهوم التخطيط الاستراتيجي وتطبيق الإدارة العسكرية الحديثة التي تطبق علوم التكنولوجيا المتطورة في إدارة السلاح لكسب المعارك.
وهذه الميزات تمتلكها قوات التحالف التي لها القدح المعلى، حيث تغطي مظلتها الجوية المتطورة سماء اليمن شماله وجنوبه.
ميناء الحديدة الإستراتيجي يعتبر أهم موانىء اليمن الستة، استغلته الميليشيا الإرهابية منذ انقلابهم على السلطة المعترف بها دوليا في تهريب الأسلحة الإيرانية من صواريخ بالستية وجميع أنواع الأسلحة لتهديد أمن واستقرار دول الجوار، ولن يكون الاعتداء على مطار العاصمة أبو ظبي الأخير، فقد لحقه استهدافات أخرى لدولة الإمارات العربية المتحدة عندما أطلق الإرهابيون صاروخا بالستيا عليها الاثنين الماضي تصدت له الدفاعات الإماراتية.
وبذا فإن تحرير هذا الميناء يعني بالمفهوم العسكري الإستراتيجي ضرب عصفورين بحجر، ففيه القضاء على الخطر الذي يشكله الميناء على أمن البحر الأحمر الذي تمر من خلاله أكثر من (20) في المئة من خطوط التجارة الدولية ومنها النفط، وقد استغله الحوثيون في مهاجمة السفن التجارية وناقلات النفط ومنها سعودية وإماراتية وأمريكية وبريطانية وغيرها بتوجيه مباشر من قادة إيران.
ولأن جميع الوسائل السلمية مع الحوثيين قد استنفدت لإبعادهم عن الميناء الذي تعرض الحوثيون فيه لضربات موجعة، لأن إيران صاحبة القرار.
ولم يبق إلا لغة (القوة) لتحريره، وإنقاذ اليمن واقتصاده ناهيك أن فيه دعما قويا لاقتصادات المنطقة والعالم ودعما للسلم والأمن الدوليين!!
وإذا كانت هناك دعوات أن الميناء يخدم وصول المعونات الدولية الإنسانية للشعب اليمني المسالم، فان إدارته بالكامل بيد السلطة الشرعية تجعل الباب مشرعا لكل المساعدات لتصل لكل مواطن يمني متضرر من الإرهابيين.
وعامل يمثل الأهم إذا تحقق تحرير الميناء يصبح مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أكثر اتساعا في عمله الإنساني، الذي بالفعل قدم عملا إنسانيا سيكتبه تاريخ اليمن، فإذا فتح الميناء ستبلغ السفن الناقلة للمساعدات السعودية عبر البحر دعما لما تحمله الطائرات والسيارات..الخ.
ويبقى سحر القوة هو الفيصل ضد الإرهابيين.
ويبقى سحر القوة عماد الدفاع عن أمن واستقرار الشعوب.
ويبقى سحر القوة إذا كانت الأهداف العسكرية والإستراتيجية واضحة.
ويبقى سحر القوة أنها يخطط لتنفيذها لتصبح كالليل من الصعب اختراقها وعندما تدق ساعة التنفيذ تصبح كالصاعقة.
ويبقى سحر القوة أيضا أن صاحبها يملك كل عناصر النصر ما يقوم منها على المفاجأة وآخر على استعمال فن الخداع في ساحة المعركة.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة