زهير بن سليمان الحربش
تماشياً مع إستراتيجية التحول الوطني لوزارة العدل لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، فقد صدر مؤخراً نظام الإثبات بالمرسوم الملكي رقم م/43 وتاريخ 26/05/1443هـ، وتسري أحكامه على المعاملات المدنية والتجارية، وكذلك القضايا الجنائية والمنازعات الإدارية بما لا يتعارض مع طبيعة كل منهما وفيما لم يرد به حكم في نظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم، وقد تناول النظام إجراءات وأحكام ووسائل الإثبات على نحو يسهم في وضع معايير واضحة لإثبات الحقوق، ويرسخ مبدأ العدالة الناجزة، ويرفع من جودة مخرجات العمل القضائي، وقد تم نشر النظام في جريدة أم القرى بتاريخ 04/06/1443هـ وسوف يبدأ العمل به بعد (180) يوماً من تاريخ نشره، أي بتاريخ 07/12/1443هـ.
ويتكون النظام من أحد عشر باباً، لتنظيم أحكام اثنتي عشرة وسيلةً مختلفة للإثبات، وهي: 1- الإقرار 2- استجواب الخصوم 3- المحررات الرسمية 4- المحررات العادية 5- الدليل الرقمي 6- الشهادة 7- القرائن 8- حجية الأمر المقضي به 9- العرف والعادة 10- اليمين 11- المعاينة 12- الخبرة.
وأقر النظام بعض المبادئ القضائية، وهي: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، البينة لإثبات خلاف الظاهر واليمين لبقاء الأصل، البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة، الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان.
والجدير بالذكر، أن النظام اعتمد الدليل الرقمي كوسيلة من وسائل الإثبات، وأفرد له باباً مستقلاً في النظام وهو الباب الرابع، كما أقر النظام إجراء الإثبات إلكترونياً، على أن يصدر معالي وزير العدل ضوابط إجراءات الإثبات إلكترونياً.
وقد تضمن النظام عدداً من الأحكام التي دعت الحاجة لاستحداثها، ومن ذلك، إذا اتفق الخصوم على قواعد محددة في الإثبات فتعمل المحكمة اتفاقهم ما لم يخالف النظام العام، ويجب أن يثبت بالكتابة كل تصرف تزيد قيمته على (100 ألف ريال) ولا تقبل الشهادة لإثبات هذا التصرف أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، ولا تقبل الشهادة فيما اشترط النظام الكتابة لصحته أو إثباته، وإذا كان الحق المطالب به جزءاً من المتبقي فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة.
كما استحدث النظام مصطلح (دعاوى الإثبات المستعجلة) وهي محصورة في وسيلتين من وسائل الإثبات، هما: الشهادة، وطلب المعاينة لإثبات الحالة، حيث أجاز النظام أن يتقدم صاحب مصلحة للمحكمة بدعوى مستعجلة لإثبات شهادة يخشى فواتها بأن يطلب سماع الشاهد في مواجهة ذوي الشأن، وكذلك أجاز النظام لمن يخشى ضياع معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء مستقبلاً أن يطلب معاينتها وإثبات حالتها بدعوى مستعجلة.
وأقر النظام استعمال لغة الإشارة مع الأخرس في إقراره واستجوابه وأدائه للشهادة واليمين، وذلك في حال لم يكن يعرف الكتابة.
ولم يغفل النظام عن حكم إجراء استجواب الشخص ذي الصفة الاعتبارية كالشركات والهيئات، حيث يتم استجواب من يمثله نظاماً. وأما استجواب ناقص أو عديم الأهلية فيكون عن طريق من ينوب عنه.
وفرَّق النظام بين المحررات الرسمية والعادية من حيث المفهوم والحجية في الإثبات لكل منهما بأحكام تفصيلية، فالمحرر الرسمي هو ما يصدر من موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة في حدود سلطته واختصاصه ويثبت فيه ما تم على يده أو ما تلقاه من ذوي الشأن، أما المحرر العادي فهو ما يصدر ممن وقعه. وأجاز النظام لمن يخشى الاحتجاج عليه بمحرَّر مزور أن يرفع دعوى على من بيده هذا المحرَّر ومن يستفيد منه، وكما يجوز إلزام الخصم بتقديم المحررات الموجودة تحت يده ويجوز للمحكمة طلب المحررات التي في يد الغير متى كانت منتجة في الدعوى الماثلة أمامها، ويجوز للمحكمة أن تحكم برد أو بطلان أي محرر إذا ظهر بجلاء من حالته أو من ظروف الدعوى أنه مزور، حتى لو لم يدَّع أحد الخصوم بتزويرها.
كما تناول النظام حجية الدفاتر التجارية في الإثبات على صاحبها التاجر أو على خصومه من التجار، وبيّن أحكامها وإجراءاتها بالتفصيل، الأمر الذي يؤكد أهمية مسك الدفاتر التجارية وفق المعايير المحاسبية المعتمدة، وذلك لحفظ الحقوق وحماية المصالح القانونية في قطاع الأعمال.
وقد أجاز النظام لأي من الخصوم توجيه الأسئلة مباشرة إلى الشاهد، وأعطى الحق للخصم في الاعتراض على السؤال الموجه للشاهد، ويحق للشاهد أن يمتنع أن عن الإجابة على سؤال وجه إليه على أن يبين سبب امتناعه.
وتضمن النظام الإثبات بالعرف والعادة، فيما لم يرد فيه نص خاص أو اتفاق بين أطراف النزاع وفيما لا يخالف النظام العام، وللمحكمة ندب خبير للتحقق من ثبوت العرف أو العادة بين الخصوم.
كما قسم النظام اليمين لنوعين، هما: اليمين الحاسمة واليمين المتممة، فالحاسمة هي التي يؤديها المدعى عليه لدفع الدعوى، ويجوز ردها على المدعي، أما اليمين المتممة فهي التي يؤديها المدعي لإتمام البينة، ولا يجوز ردها على المدعى عليه، ولكل من اليمين الحاسمة والمتممة أحكامه وإجراءاته التفصيلية التي بينها النظام.
ويستطرد النظام في تنظيم أحكام القرائن وحجية الأمر المقضي به، بوصفهما وسيلتين من وسائل الإثبات، وذلك في الباب السادس منه، ونص على عدم جواز نقض الأحكام التي حازت حجية الأمر المقضي به فيما فصلت فيها من حقوق، ولا يجوز قبول أي دليل ينقض هذه الحجية، كما نص النظام على سلطة المحكمة في استنباط القرائن وجواز الاستعانة بالوسائل العلمية في ذلك.
وتضمن النظام فرض غرامة مالية لا تزيد عن (10 آلاف ريال) في حال ارتكاب إحدى المخالفات التالية: إذا حكم بصحة المحرر كله فيحكم على من أنكره بالغرامة، وإذا حكم برفض الادعاء بالتزوير أو سقوط حق مدعي التزوير فيحكم عليه بالغرامة، وإذا تسبب أحد الخصوم في تأخر الخبير عن أداء مهمته فيحكم عليه بالغرامة، وإذا امتنع الخبير عن تسليم ما لديه من مستندات بعد انتهاء مهمته خلال عشرة أيام دون عذر مقبول.
ومن اللافت أن النظام أجاز الاستعانة بالقطاع الخاص في إجراءات الإثبات، على أن يصدر معالي وزير العدل القواعد المنظمة لذلك، ويأتي ذلك ضمن مبادرات وزارة العدل في خصخصة بعض الخدمات العدلية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وعلى كل حال، يطبق على الإجراءات المتعلقة بالإثبات أحكام نظام المرافعات الشرعية أو نظام المحاكم التجارية - بحسب الحال - فيما لم يرد فيه نظام في نظام الإثبات، وتطبق الأحكام المستمدة من الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لترجيحات هذا النظام على مسائل الإثبات التي لم يرد في شأنها نص في النظام.
وختاماً، فإن صدور نظام الإثبات يعد نقلة نوعية على الصعيد القانوني والقضائي، حيث يساهم بالإسراع في الفصل في المنازعات، وتقليص اجتهادات القضاة وما ينتج عنه من تعارض في الأحكام، مما يسهم في استقرار الأحكام القضائية وإمكانية التنبؤ بها من خلال المختصين، الأمر الذي يعزز من قوة ومتانة المنظومة التشريعية للمملكة العربية السعودية ويساهم في دفع عجلة التنمية على جميع الأصعدة ويرفع من مستوى ثقة المستفيدين من الخدمات العدلية ويحسن من تصنيف المملكة في المؤشرات الدولية على نحو يتفق مع رؤية 2030. والله الموفق.