رجاء العتيبي
التأثير والتأثر بين الآداب العالمية أمر مشاع، وهي ظاهرة صحية، ومعها تطورت الثقافة والفنون. والبلدان التي تؤثِّر وتتأثَّر هي بلدان مليئة بالحياة والتطلّع والطموح. والنهضة الثقافية التي شملت العالم كانت نتاج المثاقفة منذ الأزمنة الأولى، فهناك مثاقفة بين مصر القديمة واليونان، وبين اليونان والرومان، وبين الرومان وأوروبا في عصر النهضة وعصر التنوير، وبين أوروبا وأمريكا، وبين الغرب والشرق، وبين مصر والشام، وبين المغرب العربي وشرقه، ولولا ذلك لما ظلت الحياة الثقافية حيَّة وتتجدد باستمرار.
والمسرح كان أحد الفنون التي طالها ما طالها من التأثير والتأثر منذ العصر اليوناني مروراً بأوروبا وانتهاءً بمفهوم الكونية التي جعلت من التأثير والتأثّر يحدث على مدار الساعة، فالمدارس المسرحية الغربية، طال أثرها كل المعمورة، مثلما أنها تأثرت بالمسرح الشرقي في الصين واليابان والهند، والعالم العربي، والخليج ليس بمنأى عن ذلك، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر تلقى العرب المسرح، وتنوّع شكل تلقيه، إما بالترجمة، أو التعريب، أو التقليد، أو النقل، أو الاستلهام، ومع مرور الزمن بات له هوية محلية تميّزه.
أما المسرح في السعودية فبدأ في مرحلة النشأة نصاً مكتوباً للقراءة، وكان متأثراً بالمسرح المصري، بينما العرض المسرحي، لم يكن له وجود، حتى المحاولة التي قادها أحمد السباعي لعرض مسرحية (مكة) 1961م، وأُجهضت في حينها، واستغرق الأمر عقد من الزمان حتى ظهر أول عرض مسرحي العام 1969م بعنوان (ثمن الحرية) ولكنه كان عرضاً خاصاً بدعم قضية فلسطين، حتى ظهور عرض مسرحي في السعودية مسرحية (طبيب بالمشعاب) لإبراهيم الحمدان، العام 1973م عن مسرحية (طبيب رغم أنفه) لموليير. كأول عرض ينحو منحىً فنياً، يتناول القضايا الاجتماعية المحلية. إذن نحن هنا أمام تأثير وتأثّر، أمام أول مسرحية في السعودية (معروضة) تستلهم المسرح في فرنسا وتقدمه للمشاهد في السعودية في خطوة كانت جديدة في حينها، ورائدة اليوم.