أحمد المغلوث
عندما كنت في المرحلة الابتدائية يتكرر بين فترة وأخرى أن يطرح علينا أحد المدرسين السؤال التقليدي المعتاد عندما تكبر ماذا تحب أن تكون.. ويتشارك في طرح هذا السؤال البعض من الأقارب والمعارف. كنا أيامها وفي هذه المرحلة التي تعتبر مرحلة أولى للانطلاق لعالم واسع ندخله بعيوننا قبل أقدامنا ونحن نحاكي في تفكيرنا ما نشاهده في محيطنا الاجتماعي المحدود وبالتالي كان تفكيرنا محدود المساحة ومقيداً بهذه الحدود لا يمكن تجاوزها. فتفكير الطفل في المرحلة الابتدائية غير تفكير طالب الإعدادية أو الثانوية فغالباً ما تكون الإجابة على السؤال عندما تكبر؟ فعادة ما تكون إجاباتنا في حدود المعرفة التي أوجدها الواقع المعاش. موظف سائق تاجر مزارع. وهناك من أجاب أتمنى أن أكون مثل والدي عاملاً في أرامكو وآخر قال أتمنى أن أكون مثل المحامي «بيري ميسون» وكان هذا المحامي قد بات شهيراً في الشرقية والأحساء وحتى الدول المجاورة التي كان يصل إليها بث تلفزيون أرامكو والقليل من زملاء الدراسة الذي قال: إنه يريد أن يكون طبيبًا أو حرفيًا أو مدرسًا. لا شك أن الإجابات جميعها كانت تعتبر معقولة بالقياس لتفكيرنا البسيط وحتى الساذج كوننا أبناء هذا المحيط الذي زرع في عقول البعض من المجتمع كراهية العمل اليدوي حتى الفلاحة التي تعتبر من الأعمال التي فيها خير كثير ليس لمن يمارسها ولكن لكل المجتمع فواحد من الزملاء قال وبعفوية: سوف أكون صاحب بستان «نخل» ولم يقل أريد أن أكون مزارعاً. كان «بعبع» العيب لكل عمل يدوي منتشراً في كل مكان وبالتالي لم تكن نظرتنا للمستقبل نظرة واسعة وطموحة بالمقارنة مع ما كان يعيشه ويشعر به أبناء المجتمعات الأخرى فكثير من أبناء الدول العربية يجيبون ردًا على ذات السؤال عندما تتاح لنا مواصلة الدراسة ونكبر سوف نكون أطباء أو مهندسين أو حتى جنوداً.. وهكذا. وتمضي بنا العقود لتتغير الصورة في مختلف جوانب المجتمع فبات في وطننا مختلف الأعمال والتخصصات التي راح يمارسها أبناء الذين كانوا فيما مضى يتحرجون أن يعرف أهلهم ومعارفهم ماذا كانوا يعملون في شركة أرامكو. وما زلت أذكر أن أحد أبناء مدينتي أخفى عن أفراد أسرته طبيعة عمله في إحدى الورش بالشركة فهو دائماً يقول إنه يعمل في أحد المكاتب. واعتادت الشركة العريقة الشركة «الجامعة» أن تكرم بين فترة وأخرى مجموعة من موظفيها بعد عدة سنوات ونُشر خبر مصور في صحيفتها الأسبوعية عنالمحتفى بهم ومن بينهم صاحبنا وهو ببدلة العمل.. وبان لكل من شاهد الصورة طبيعة عمله وتميزه. كان ذلك فيما مضى من زمن. أما اليوم فالمواطن في وطننا الحبيب وهو يعيش الواقع ويستشرف مع أولاده وبناته «المستقبل» في حاضر مشبع بكل الخير والعطاء حاضر نافست فيه المرأة شقيقها الرجل منافسة شريفة فالمجالات متعددة ومفتوحة للجميع وبإمكان تلميذ المرحلة الابتدائية اليوم أن يجيب على السؤال الروتيني ماذا تحب أن تكون؟ إجابة صريحة بل وبفخر واعتزاز ولا شك أيضاً أنه سوف يحتار بماذا يجيب وأمامهم خيارات متعددة لذلك هو يحتاج للتفكير في الاختيار فالفرص والأعمال والمجالات تجعله في حيرة من أمره وبات الباب مفتوحاً لمن يرغب في العمل حتى وهو داخل غرفة نومه.. بل بات العشرات من أبناء وبنات الوطن لديهم براءات متميزة لما أبدعوه من اختراعات وبدعم من مدينة الملك عبد العزيز للتقنية بل وحتى من دول خارجية. فلا عجب فالمواطن اليوم غيره بالأمس فهو يعيش في زمن الرؤية والمستقبل المشرق.