إعداد - مرام العصيمي*:
طُورت صحافة الجونزو Gonzo Journalism على يد الصحفي والروائي الأمريكي Hunter S. Thompson خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، وهي أسلوب حديث للكتابة الصحفية يعتمد على ذاتية الصحفي ومشاركته في القصة ليس كمراسل وناقل للحدث، بل كمشارك فيها.
وعلى الرغم من ظهورها منذ خمسين عاماً، وتنامي التطورات في صناعة الصحافة شكلاً ومضموناً لا سيما مع دخول التقنية وولادة منصات التواصل الاجتماعي التي ازدادت شعبيتها منذ عام (2004) وعدد مستخدميها؛ إلا أن الصحافة العربية لم تتبناها في إطار عملها الصحفي، لا من قريب ولا من بعيد، وأنا لا أنصح بذلك! فآخر ما نتمناه هو أن ننسف المعايير المهنية؛ لنزيد الطين بلة!
) ما خلفية Thompson الذي قدم صحافة الجونزو للعالم؟
- إذا ما أردنا أن نحكم على الفكرة لربما علينا أن ننظر إلى عقل صاحبها، بل ونعرف من هو؟ إن Thompson الذي امتهن الكتابة منذ مرحلة ما قبل الجامعة لم يكن شخصاً عادياً؛ عرف الفقر واتجه للسرقة حتى قبل أن يدخل الجامعة! كانت حياته مليئة بالإثارة، والتحديات، بل وأن ذلك المنحى -الإثارة- أخذ جزءاً كبيراً من حياته التي أنهاها بنفسه منتحراً، ولذلك تبدو الجونزو فكرة عابثة أطلقها شخص يطيب له القفز على القوانين كيفما أتفق! فهو أسلوب وليد اللحظة لجأ إليه عندما كُلّف بتغطية أحدى المناسبات الرياضية ولم يكن عملاً جاداً مخططا له. فمن اعتاد العمل في عدة مؤسسات صحفية وانتهى به المطاف لأن يتم تسريحه منها! كيف له أن يألف رتابة الكتابة الصحفية المهنية بشكلها المعروف؟ وإن كانت المحافظة عليها تعد لياقة وتطويرها يعد فرصة قل من ينتهزها!
) من أين أتى اسم «صحافة جونزو؟
- يقال أن الصحفي Cardoso والذي يعمل بصحيفة Boston Globe اليومية الأمريكية في مقاله الذي نشره بعنوان»Thompson Scanlan» كلمة Gonzo -ولا أظن أن معناها مهم لكن يمُكن أن أشير إلى أنها كلمة عامية إيرلندية الأصل مستخدمة في جنوب بوسطن بأمريكا، قد استخدمها تعليقاً على مقالة رياضية قد كتبها Thompson في وقت سابق.
صحيح أن صحافة الجونزو قد بدأت رياضية لكن لم يكن لـ Thompson أن لا يُقحمها في كل مجال فهو رجل اللا موضوعية؛ إذ دخلت لاحقاً في مجال السياسة، في المقابل فإن لذلك النوع من الصحافة مؤيدين إذ يدعي بعض المعنيين بالعمل المهني في الغرب أنها ساعدت على خروج أنماط حديثة للصحافة ويمكن تبنيها والاستفادة منها في عصر الرقمنة.
وبعيداً عن جميع ما سبق فإن لصحافة الجونزو سمات تُساعدنا على فهمها أكثر والحكم عليها وتعد تلك السمات ما بين تلك التي تُعد قيمة مضافة للصحفي نفسه وتلك التي تُعد إضافة مهنية على صعيد الكتابة ولعلنا نشير إلى أن الصحفي نفسه بمثابة بطل للرواية أو القصة الصحفية، بل وإنه يُعتبر جزءًا من القصة؛ فبالتالي عندما ينقل القصة أو التقرير فهو مستغرق في ما يبحث عنه وعند نقله للحدث وكتابته له لا يلتفت للمعايير المألوفة مهنياً، وشروط الكتابة الصحفية المعروفة؛ فهو يحرص على نقلها في ضوء تجربته الخاصة، ورؤيته وتصوراته، ووجهة نظره.
) ماذا عن السرد في عملية الكتابة هل يختلف عن الكتابة التقليدية؟
- نعم، بالطبع فإن الصحفي يسرد التقرير الصحفي أو القصة من منظور الشخص الأول، فهو صحفي منغمس ويروي الحدث وينقل التجربة كما أتفق بما تحمله من مشاعر ومنطق كذلك، وليست الموضوعية وحدها التي تغيب هنا في هذا المشهد فقط، بل أن أسلوب الطرح الذي يُغلف بالنقد، والسخرية، والحس الفكاهي من ناحية والمبالغة الصارخة من ناحية أخرى كلها حاضرة بشكل لا يمكن إنكاره.
ومن هنا يُتأتى الاختلاف بين الصحافة التقليدية، وبين صحافة الجونزو، بل وإن تلك الفروق هي خطوط فاصلة بين العمل المهني المنضبط في عُرفنا الصحفي وبين غيره، فالأخيرة يُمكن وصفها بأنها صحافة تبتعد عن سرد الأحداث وفقاً للمعايير المهنية فهي تبتعد عن الموضوعية Objectivity، وتُتهم بالتحيز، ونظير ذلك فإن البعض يصنفها على أنها صحافة شعبية Pop Journalism بسبب أسلوب الكتابة والطرح الذي تنتهجه، ولا ملامة على صاحب التشبيه، ولكن إن أردنا أن ننظر إلى منظومة الكتابة في الفنون الصحفية فإن المواد الصحفية ابتداء من الخبرية والتقريرية غالباً ما تستند على الحقائق الثابتة والواضحة، بل وأن الصحفي يعتمد على المصادر الصحفية التي ينقل عنها الخبر أو التقرير، في حين أن صحافة جونزو تعد بمثابة نقل لتجربة الصحفي ويعتبر نفسه جزءاً من الحدث وسياقه، لا عُنصراً محايداً فيها وناقلا للتجربة في ضوء ما يُزود به من معلومات وحقائق.
** **
* أكاديمية وباحثة دكتوراه
تويتر: dr_meems