مها محمد الشريف
يبدو أن أزمة إمدادات الطاقة في أوروبا وجَّهت الأنظار نحو الأزمة الليبية، حيث تمثِّل هذه الدولة التي تعيش صراعاً منذ أكثر من عشرة أعوام منقذاً للاقتصاد الأوروبي، فهل ستساعد أزمة نقص إمدادات الغاز المتوقَّعة في حال غزو روسيا لأوكرانيا أملاً بتسريع عودة الاستقرار لليبيا، وذلك لأهمية تأمين إمدادات الطاقة من ليبيا لدول جنوب أوروبا، حيث تعمل الولايات المتحدة على تأمين الغاز والنفط لها في حال اندلاع الحرب، ومن ثم دخل الغاز الليبي في قائمة مصادر الطاقة المحتمل تصديرها إلى أوروبا بديلاً عن الغاز الروسي في حال اندلاع حرب في أوكرانيا، بعدما كثّفت شركات عالمية كبرى مشاوراتها مع المؤسسة الوطنية للنفط بشأن زيادة الإمدادات للسوق الأوروبية.
في غضون ذلك طُلب من قطر توفير الغاز لدول أوروبا، مثلما تواصلت واشنطن مع جهات ليبية لهذا الغرض، لكن الوضع السياسي المضطرب وغياب ميزانية لصيانة الآبار المتهالكة والاعتماد المفرط على البترول قد يضيع على ليبيا لعب هذا الدور في المدى القصير، من أجل ذلك يبدو أن الوقت حان أمام أمريكا لكي تضع لأوروبا قارب نجاة، وهذه كلها عناصر تماسك عميقة ضد روسيا، لكن كافة الإجراءات كانت مرتبة بعناية حول احتياطي الغاز في ليبيا جعلها في دائرة الضوء بقوة، باعتبارها أحد مزوِّدي القارة الأوروبية بالغاز بعد روسيا والنرويج والجزائر، فمن جهة مخزونات ليبيا فهي كبيرة من الغاز باحتياطي وصل إلى 54.6 تريليون قدم مكعب، وهو ما وضعها في المرتبة 21 عالمياً في الاحتياطات والموارد المتاحة وكيفية استغلالها وإمكانية تنميتها في ظل التدهور السياسي والاقتصادي وعدم الاستقرار.
فالسؤال الذي طالما طرحه الإعلام العالمي وتناولته العديد من التحليلات السياسية، أين القوانين الدولية من التدخلات في ليبيا، وأين هم من وجود مرتزقة من عدة دول وتهريب الأسلحة للبلاد؟ علماً بأن استمرار وجود المرتزقة تسبب في أزمات كبيرة، بما في ذلك عودة القتال، ويمكن أن تؤدي إلى التأثير على سير العملية الانتخابية.
أليس ثمة من يسأل عن القتال المحموم والمنفلت ونتائج هذه السياسة البائسة في ليبيا والشعب الذي فقد كل شيء حتى موارده النفطية، التي تسعى اليوم له أمريكا لتأمين أوروبا منها؟ نحن في وقت كل شيء يدعو للريبة، هل بات العالم عاجزاً عن الإحساس بالمسؤولية تجاه هذا البلد الذي يكتظ بالمرتزقة في وضح النهار الذين يقاتلون تحت عيون دول غربية.
كان ذلك نتيجة لمسار مراحل متعدِّدة، فمن الجانب الأوروبي قال دانييلي روفينيتي، المحلِّل السياسي الإيطالي والخبير في شؤون الشرق الأوسط، إن ليبيا ليست ببعيدة عن صراع القوى الكبرى في أوكرانيا فيما يخص ملف الطاقة، حيث أكد المحلِّل السياسي الإيطالي خلال حديثه لموقع «سكاي نيوز عربية»، أن الغاز الليبي «جزء مهم من إمداد أوروبا عبر التيار الأخضر (خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 520 كيلومتراً الذي يربط ليبيا بإيطاليا)».
ومع الأزمة الأوكرانية، أصبحت ليبيا ضرورية أكثر من أي وقت مضى لأوروبا كما قال روفينيتي، وهذا ما يجعلنا مذهولين من سرعة الزمن لمساعدة أوروبا قبل أن يتوقف غاز روسيا، يا لها من مفارقة عجيبة حركت عالم بأكمله من أجل أوروبا.