أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: إذا قال جمهور الصحابة رضي الله عنهم في الأحكام بقولٍ، ولم يُعرف لهم مخالف منهم رضي الله عنهم -وعدم العلم بالمخالف ههنا استقراء حاصر يساوي العلم بالعدم- فلا تنبغي مخالفتهم؛ لأنهم في جملتهم أعلم بالنصوص؛ لأن أهل الرواية منهم معروفون محصورون، وهم أعلم بمقاصد الشرع ودلالته.. وإن اختلفوا فلا بد من الاجتهاد بالترجيح، أو بقولٍ آخر يَظهر للمجتهد بيانُ برهانه؛ فإن لم يظهر له برهان لزمه الترجيح.. فإن كان قول جمهورهم الذي لا مخالف له عن مغيَّب يوم القيامة، ولم يقم البرهان على أنهم أخذوه من أهل الكتاب: لزِم أن لا نتعدَّى قولهم؛ لأنه لا مسرح للاجتهاد في بلاغهم، وهم معايشون التنزيل؛ فهم أعلم بمراده.. وإن كان القول اجتهاداً منهم فبعيد أن لا يكون عن تمكُّنهم من معرفة الدلالة (مع أنه حَمْله على المرفوع إلى الشرع المُطَّر أولى؛ لأنه لا مسرح للاجتهاد في علم الغيب)، وإن كان المغيَّب مما يقع في الدنيا فنسير على تفسيرهم له إذا لم يُعرف لهم مخالف منهم؛ فإذا وقع المغيِّب أصبح التفسير مشاهدةً حسية مُقَدَّمة، وأصبح قولهم اجتهاداً في الاستنباط مثل تغيير خلق الله الذي وقع بقباحة الجنس الثالث وتغيير خلقهم بالهرمونات، وتعطُّل الذَّكَرِ بأدوات العصر الحديثة، وحصول شهوة النساء.. ومثل ذلك {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (سورة النحل/ 8)، وهو عِوَض عن الزينة والركوب كوسائل المواصلات المعاصرة؛ فنجعلها من ضمن ما أخبر الله به، ولا يحق لنا أن نخمِّن ونفسِّر ذلك بما يُحتمل من تغيير وخلق.. وكل ما خالف فطرة الله كالجينات فهو من تغيير خلق الله، ولم يقم برهان بعد على أن هذه الجينات تحيا وتتوالد.. ومن تغيير خلق الله، تحوُّل المطرب الأمريكي الزنجي الأسود مايكل جاكسون بعمليات جراحية إلى بياض قبيح كبياض الرخام، وقد مات بسبب ذلك.
* * *
لكلِّ فِرْقةٍ ثلاثة أئمة
تقديس العقول المطلق، وتحميلها فوق ما في وسعها في الإدراك، والخبال في النفس، والخبال من استحواذ الشيطان بدعوى الذوق والكشف، وسهولة الإيمان بالمنامات والحكايات والأحاديث الموضوعة، وأَسْر الإلف والعادة والبيئة، وتصدُّر من لا يخافون الله بدعاوى الولاية وكَشْف الحجب والأبدال والأغواث والكرامات التي أحوال شيطانية أو إنسية كالتساكر بالأفيون، وتوليد الأحاديث الموضوعة والأخبار المصنوعة؛ من أجل الجاه وأكل الخبز الخبيث، والبعد عن صريح القرآن الكريم وصحيح السنة وصريحها بالتأويل المدحوضِ بدلالتي التصحيح والترجيح، واختراق المسلمين بالمتأسلمين تقيَّة وهم ملاحدة حاقدون على الأمة ودينها من الإمبراطوريات الوثنية ثأراً لملكها الزائل وباطلها الزاهق، وكلُّ كيد أهل الكتاب، ومخالفة وصية الله بالاعتصام بشرعه وعدم التفرق، وغلبة الأهواء والشهوات والشبهات، وحبِّ الزعامة في المناصب الدينية، والحمية للإلف وتقليد المذهب وما عليه الإرث: كل ذلك جعل أمتنا أحزاباً وشيعاً متناحرة؛ حتى أصبح أهل الحق طائفة واحدة لا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة.. ومن الظواهر المؤلمة أنْ تَرَك الناسُ تحقيقَ مسائل العقيدة عند مَن جعلوهم أئمة لهم من أتباع السلف أهل الحديث في الفقه وأصول الفقه كمالك والشافعي وسفيان بن عيينة ومن يحكي خلافهم وإجماعهم أمثال: ابن المنذر، والمجتهدين المتأخرين كابن جرير وابن عبدالبر رحمهم الله تعالى، وجعلوا لهم أئمة في التوحيد دينهم توليد الأفكار، وجعلوا لهم شيوخاً في طرق الرقص الصوفي؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
* * *
شيء من السياسة الشرعية
قال الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله في كتابه المفقود عن سياسة الحكم - كما في الشهب اللامعة لابن رضوان-: (ويلزم الإمام ألاَّ يبحث عن شَيءٍ من الحدود كلها أصلاً إلا أن يُجاهر بها صاحبها، أو يُشتكى إليه بفعل شَيءٍ منها؛ فأي هذين الوجهين كان لزمه السؤال عن ذلك، والإرسال إليه كإرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة، وسؤاله عليه السلام عن زِنى الذي كان عسيفاً على الآخر؛ إذْ شُكِي إليه عليه السلام أمرهما).
قال أبو عبدالرحمن: جمعتْ هذه السياسة الكريمة بين الحرص على عِصْمة عَلَنِ المسلمين، والحرصِ على السِّتر والمنع من التجسُّسِ على عورات المسلمين، وعدم تعطيل التَّتبُّع لما ظهر للإمام من بلاغ العدول عن ظهور بعض الرذائل؛ لأن الغفلة عن تَتَبُّع ذلك بداية الإخلال بعصمة العَلن، وإلى لقاء قريب عاجل إن شاء الله، والله المستعان.
** **
(محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عَنِّي، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين-