عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
كنت أقول يا عم، حينها لم أتجرأ أن أسأل والدي عن اسمك، أنت من أصدقائه، تزورنا أحياناً، تتحدث مع والدي في مجلس الرجال، أنا أُحضر القهوة، ثم الشاي، أفهم من نظرات والدي أن أترك القهوة والشاي وأغادر المكان، عرفتك فيما بعد، ثمة علاقة عائلية، بعيدة تقريباً، تصوري المبدئي يوحي أنك من أهل العلم، هذا ما عرفته، أذكر اطلاعك ذات يوم على رف صغير وضعتُ به مجموعة من الكتب، بدأت بتجميعها لقراءتها، أغلبها أدبية، وحديثك عن أهمية القراءة، بعد أن أخبرك والدي بفخر أنني أهوى القراءة، إضافة إلى وعدك بإهدائي نسخة من كتابك عندما يصدر، عرفت حينها أنك لست بشاعر، ولست من الأدباء المعروفين، لكن أنت تحب القراءة والاطلاع، أنت لا تقيم في مدينة الطائف حيث أسكن مع أسرتي، ولكن في مدينة أخرى، لا داعي لذكرها الآن، لأنني أيضاً ليست لدي معلومة عن المدينة التي تقيم بها في ذلك الزمن، وعموماً هذا ليس مهماً، بعد زمن سألت الوالد عن كتابك الذي ستصدره، ليقول «لم يصدر بعد» أردت أن أسأله عن مضمون الكتاب، ولكن أرجأت ذلك السؤال حتى أراك، كنت أتوقع أن تأتي قريباً، ولكن ابتعدتُ أنا للدراسة، ونسيتُ تماًماً أمر الكتاب، ربما قابلتك بعد ذلك، بسنوات كثيرة، بعد أن كبرنا، كنتَ في سن من الصعوبة التحدث معك عن فكرة أو مشروع كتاب، ولكن السؤال الأهم، هو عن صحتك، انتقلت إلى الرفيق الأعلى ولحقك بعد سنوات والدي، هنا انتهت الحكاية، ربما لا شيء أقوله، ولكن حين قابلت أحد أبنائك، منذ سنوات سألته عن مكتبتك، بكل تأكيد لديك مكتبة جيدة، ليجيبني « عندما مرض الولد وضعنا كتبه في عدة صناديق، وعندما مات تخلصنا منها»، أحزنني هذا الكلام، عرفت حينها أنه لم يصدر الكتاب، تمنيت لو عاد بي الزمن لقلت لك عندما اطلعت على نواة مكتبتي الصغيرة، رجاء سارع بطبع كتابك، وحافظ على مكتبتك من الضياع، أعرف أن مكتبتك، ربما بيعت متفرقة في حراج الجملة، استفاد منها بعض قناصة الكتب النادرة، أنا أقول ذلك ولم يسبق لي الاطلاع عن مكتبتك، ولكن أذكر أن والدي قال ذات مرة أن لديك مكتبة كبيرة، ضياع المكتبة ليست في هذا الوقت القريب، بل منذ أكثر من ربع قرن، من جانب آخر حرصت في حياتك على تعليم أبنائك، وبناتك أيضاً، ولكن جميعهم، كما علمت لاحقاً علاقتهم بالكتاب غير العلمي ضعيفة، أعرف أنك لست الوحيد الذي أورث مكتبة كبيرة، لأبناء لا يقرؤون، بل شاهدتُ كتباً قيمة مرمية بالقرب من صناديق ازبالة، و المستفيد الأول تلك العمالة التي تأخذها وتبيعها على شركات تدوير الورق، تمنيت لو عاد بي الزمن واستطعت أن أنقذ مكتبتك من التشتت، ربما وجدت الكتاب الذي ربما أكملت تأليفه، قد يكون مختلفاً ومهماً، قد يكون به بعض الأحاديث التي تذكرها لوالدي عندما تقوم بزيارتنا، وأنا حينها كنت صغيراً ولا يحق لي سماع أحاديث الكبار، ولكن تلك المكتبة ليست أهم منك لدى أسرتك، لذا لا قيمة لها بدونك.
يا عم، كثيرون مثلك قضوا جل حياتهم في اقتناء الكتب وقراءتها، وربما الكتابة، وبعد مماتهم، أصبحت مكتباتهم عبئاً على ورثتهم، بعضهم باعها، وإذا كان لديهم الدراية بأهميتها، كسبوا مبالغاً كبيرة، وهم قلّة جداً، وبعضهم أهداها لبعض المكتبات، وأيضاً هؤلاء قلة، وبعضهم وهم الأكثرية تخلصوا منها مباشرة بالبيع لمحلات الكتاب المستعمل، أو رميها في الشارع، وهذا هو المؤلم، ليتك يا عم قلت هنالك فتى أحب القراءة وأراني والده نواة مكتبته، دعوه يتصرف بمكتبتي، صدقني، ستكون مكتبتك وغيرها من المكتبات الخاصة نواة لمكتبات عامة في الأحياء يستفيد منها الجميع، لكن أنت غادرت هذه الحياة بلا أثر ثقافي للأسف إلا السيرة الطيبة.