د.شريف بن محمد الأتربي
يرسل الله -سبحانه وتعالى- إلى بني آدم في فترات متفرِّقة رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ ليجددوا الدعوة إلى الله وينكروا ما حرَّمه، يعاديهم السذّج والجهّال، ويقاتلهم أصحاب المنافع والأموال، فإذا جاء وقت حصاده، كان جنود الله في الأرض لهم بالمرصاد.
وهكذا كان الإمام محمد بن سعود- الذي بدأ عهده في منتصف عام 1139 هـ الموافق 1727م- ليوقّع بذلك على صفحة من صفحات التاريخ الحديث في سنة 1157هـ الموافق لسنة 1744م، ويكون تاريخ بداية قيام الدولة السعودية الأولى.
وهكذا أُوقد أول مصباح في تاريخ المملكة، لتتوالى بعده مصابيح النور وينجلي الظلام، وتُثبت المملكة على أنها قامت بإذن الله وتوفيقه، ونصرة كتابه وسنة نبيه، والدفاع عن مقدساته. ومن يظن أن النور يكاد أن ينطفئ، أو تغشاه سحابة من سحابات الكدر، فإن الله يرسل من يعضد دعائم الدولة ويثبت رايتها ويقوي شأنها.
لقد كانت الاستراحة الأولى للمملكة في عهد الدولة العثمانية، عندما قام إبراهيم باشا بن محمد علي بقيادة الحملة المصرية الثالثة إلى وسط الجزيرة العربية، واستطاع الوصول إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية بعد معارك عديدة، فدمرها وأطفأ شعلة الدولة السعودية الأولى، وقبض على الإمام عبد الله بن سعود وأرسله مع من وجد من آله إلى إسطنبول، حيث أعدموا هناك.
وتأتي الدولة السعودية الثانية بعد أقل من 7 سنوات على الغياب المؤقت لشمس الدولة السعودية الأولى، وذلك تحت قيادة الإمام تركي بن عبد الله، الذي استطاع أن يعيد هيبة الدولة ويرسي دعائم الدولة السعودية الثانية بدءاً من عام 1824م، واستمرت الدولة حتى عام 1891 هـ، واجهت خلالها الكثير من المصاعب والمشكلات، انتهت بخروج الإمام عبد الرحمن وأسرته ومنها الأمير عبد العزيز (الملك عبد العزيز) من الرياض حفاظا على حياتهم.
وبعد عشر سنوات أعاد عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله- حكم أجداده، حين استطاع دخول الرياض ومعه ثلة من الرجال المخلصين الأوفياء، ومنها انطلق ليضم كافة أراضي الجزيرة العربية تحت راية التوحيد ليعلن في عام 1932 قيام المملكة العربية السعودية.
لقد بذل قادتنا منذ نحو 300 عام الغالي والنفيس، ولم يتوانَ أيٌ منهم عن التضحية بماله ونفسه؛ من أجل قيام هذا الكيان، ودعم أركانه القائمة على الفطرة الإنسانية الصحيحة في الإيمان بالله وحده.
حفظ الله قادتنا وبارك في أعمارهم على طاعته.